سبيل الاستحباب فاذن ظهر مما ذكرنا ان قول الصدوق في هذه المسألة قوى وطريق الاحتياط واضح وتبطل الصلاة بترك الطهارة كذلك اي عمدا أو سهوا للاجماع والاخبار وبتعمد التكفير هذا هو المشهور بين الأصحاب ونقل المرتضى والشيخ اجماع الفرقة وخالف فيه ابن الجنيد فجعل تركه مستحبا وأبو الصلاح حيث جعل فعله مكروها واستوجهه المحقق في المعتبر احتج المانعون بالاحتياط بان أفعال الصلاة متلقاة من الشارع ولا شرع هنا وبأنه فعل كثير خارج من الصلاة وبما رواه الشيخ عن محمد بن مسلم في الصحيح عن أحدهما (ع) قال قلت له الرجل يضع يده في الصلاة اليمنى على اليسرى قال ذاك التكفير فلا تفعل وعن حريز عن رجل عن أبي جعفر (ع) قال لا تكفر انما يضع ذلك المجوس ويوافقه قوله (ع) في حسنة زرارة لا تكفر فإنما فعل ذلك المجوس وهذه الأدلة لا تصفو عن التأمل والنهى في الروايات المنقولة عنهم غير واضح في التحريم خصوصا في رواية حريز المشتملة على عدة من المكروهات وعلى تقدير التسليم فالتحريم لا يستلزم البطلان لان النهي متعلق بأمر خارج عن حقيقة الصلاة قال المحقق في المعتبر الوجه عندي الكراهية إما التحريم فيشكل لان الامر بالصلاة لا يتضمن حال الكفين فلا يتعلق بها تحريم لكن الكراهية من حيث هي مخالفة لما دلت عليه الأحاديث عن أهل البيت (ع) من استحباب وضعهما على الفخذين محاذيتين للركبتين واحتجاج علم الهدى بالاجماع غير معلوم لنا خصوصا وقد وجد من أكابر العلماء من يخالف في ذلك ولا نعلم من وراه من الموافق كما لا يعلم أنه لا موافق له وقوله هو فعل كثير في غاية الضعف لان وضع اليدين على الركبتين ليس بواجب ولم يتناول النهى وضعهما في موضع معين وكان للمكلف وضعهما كيف شاء واما احتجاج الطوسي (ره) بان أفعال الصلاة متلقاة قلنا حق لكن (كما) لا يثبت تشريع وضع اليمنى لم يثبت تحريم وضعها فصار للمكلف وضعها كيف شاء وعدم تشريعه لا يدل على تحريمه لعدم دلالة التحريم وقوله الاحتياط يقتضي طرح ذلك قلنا متى إذا لم يوجد ما يدل على الجواز أم إذا وجد لكن الأوامر المطلقة بالصلاة دالة باطلاقها على عدم المنع ثم قال واما الرواية فظاهرها الكراهة لما تضمنه من قوله إنه تشبه بالمجوس وامر النبي صلى الله عليه وآله بمخالفتهم ليس على الوجوب لانهم قد يفعلون الواجب من اعتقاد الإلهية وانه فاعل الخير فلا يمكن حمل الحديث على ظاهره فاذن ما قال أبو الصلاح أولي ويؤكد ما ذكرناه ان النبي صلى الله عليه وآله لم يأمر به الأعرابي وكذا رواية أبي حميد حكاية صلاة رسول الله صلى الله عليه وآله هذا كلام المحقق وهو جيد واعلم أن التكفير في اللغة هو الخضوع وان ينحني الانسان ويطأطئ رأسه قريبا من الركوع كما يفعل من يريد تعظيم صاحبه واختلف كلام الأصحاب في تفسيره ههنا ففسره المحقق والمصنف بوضع اليمين على الشمال وقيده المصنف في المنتهى والتذكرة بحال القراءة وقال الشيخ لافرق بين وضع اليمين على الشمال وبالعكس وتبعه ابن إدريس ففسر التكفير بوضع اليمين على الشمال أو بالعكس ووافقه الشهيدان في التفسير المذكور وقال المصنف في المنتهى قال الشيخ في الخلاف يحرم وضع الشمال على اليمين وعندي فيه تردد إذ رواية محمد بن مسلم يتضمن العكس ورواية حريز تدل على المنع من التكفير وفي رواية محمد بن مسلم ان التكفير هو وضع اليمنى على الشمال فحسب فنطالب الشيخ بالمستند انتهى كلامه وهو حسن والظاهر أنه لافرق في الكراهية أو التحريم بين ان يكون الوضع فوق السرة أو تحتها ولابين ان يكون بينهما حائل أم لا ولابين ان يكون الوضع على الزند أو الساعد كما صرح به جماعة من الأصحاب نظرا إلى عموم المستند واستشكل المصنف في النهاية الأخير ولا ريب في جواز التكفير في حالة التقية بل قد يجب ولو تركه والحال هذه فالظاهر عدم بطلان صلاته لتوجه النهي إلى أمر خارج عن العبادة ويبطل الصلاة أيضا بتعمد الكلام بحرفين مما ليس بقران ولادعاء لا خلاف في ذلك بين الأصحاب نقل اتفاقهم على ذلك جماعة منهم كالفاضلين والشهيدين وغيرهم ويدل عليه الأخبار المستفيضة من طرق العامة والخاصة فمن طريق العامة ما روى عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شئ من كلام الناس انما هي التسبيح والتكبير وقراءة القران وفي دلالته على المدعا نظر وعن زيد بن أرقم كنا نتكلم في الصلاة يتكلم أحدنا صاحبه وهو إلى جنبه حتى نزلت وقوموا لله قانتين فأمرنا بالسكوت ونهانا عن الكلام رواه مسلم وفى الدلالة على البطلان تأمل ومن طريق الخاصة اخبار كثيرة منها ما رواه الشيخ (في الصحيح) عن أبي جعفر (ع) قال سألته عن الرجل بأخذه الرعاف أو القئ في الصلاة كيف يصنع قال ينفتل فيغسل انفه ويعود في الصلاة وان تكلم فليعد الصلاة ورواه الشيخ عن محمد بن مسلم باسناد اخر صحيح (والكليني عنه باسناد اخر صحيح) وزاد في الرواية وليس عليه وضوء ومنها ما رواه الشيخ عن إسماعيل ابن عبد الخالق في الصحيح قال سألته عن الرجل يكون في جماعة من القوم يصلى المكتوبة فيعرض له رعاف كيف يصنع قال يخرج فان وجد ما قبل ان يتكلم فليغسل الرعاف ثم ليعد وليبن على صلاته ومنها ما رواه الشيخ والكليني عن الحلبي في الحسن بإبراهيم بن هاشم عن أبي عبد الله (ع) قال سألته عن الرجل يصيبه الرعاف وهو في الصلاة فقال إن قدر على ماء عنده يمينا وشمالا بين يديه وهو مستقبل القبلة فليغسله عنه ثم ليصل ما بقى من صلاته وان لم يقدر على ماء حتى ينصرف بوجهه أو يتكلم فقد قطع صلاته ومنها صحيحة الفضيل السابقة عند شرح قول المصنف وتبطل بفعل كل ما يبطل الطهارة وينبغي التنبيه على أمور الأول قطع الأصحاب بان الحرف الواحد غير المفهم غير مبطل للصلاة ونقل الاجماع عليه المصنف في التذكرة والشهيد في الذكرى والشارح الفاضل واستندا مع ذلك إلى عدم صدق الكلام عليه في عرف العرب (قيل لا يصدق الكلام عليه في عرف العرب) بل في اللغة أيضا لاشتهار الكلام لغة في المركب من الحرفين قاله الشيخ الرضي رضي الله عنه وذكر بعضهم انه جنس لما يتكلم به سواء كان على حرف واحد أو أكثر وقد يقال إن الاطلاق أعم من الحقيقة فلا دلالة في هذا الكلام على خلاف المدعا وفيه عدول عن ظاهره ولا يخفى ان الواقع في أكثر الروايات لفظ التكلم وكان الظاهر صدقه على الحرف الواحد لكنها محمولة على الشائع الغالب وقوفا على الاجماع المنقول وإن كان الاحتياط يقتضى الاجتناب عنه ومن هنا يعلم أن الظاهر أن الحرف الواحد المفهم مبطل وبه صرح جماعة من الأصحاب بل يصدق الكلام عليه في اللغة والعرف بل في صناعة أهل العربية أيضا لتضمنه الاسناد واستشكله المصنف في التذكرة نظرا إلى أنه يحصل به الافهام فأشبه الكلام ومن دلالة مفهوم النطق بحرفين على عدم الأبطال وكلامه محل نظر واستوجه المصنف في المنتهى الأبطال به نظرا إلى صدق الكلام عليه ومقتضى التقريب الذي ذكر ابطال الصلاة لو كان بعد الحرف الواحد غير المفهم مدة واختاره الشهيد واستشكله المصنف نظرا إلى أنه قد (يتفوة لاجماع) الحركة ولا يعد حرفا ومن حيث إنها أحد حروف العلة فضمها إلى الحرف كضم حرف اخر إليه الثاني لا يعتبر في الكلام المبطل الوضع فالتكلم بالمهملات يوجب بطلان الصلاة بلا خلاف ويدل عليه التقريب الذي ذكرنا الثالث الظاهر أن التنحنح غير مبطل للصلاة كما صرح به جماعة من الأصحاب لعدم صدق التكلم عليه لغة وعرفا وروى الشيخ عن عمار الساباطي في الموثق انه سأل أبا عبد الله (ع) عن الرجل يسمع صوتا بالباب وهو في الصلاة فيتنحنح ليسمع جاريته وأهله لتأتيه فيشير إليها بيده ليعلمها من بالباب لتنظر من هو قال لا بأس به وقال المصنف في المنتهى لو تنحنح بحرفين وسمى كلاما بطل صلاته وهو متجه لكن مجرد التنحنح لا يوجب صدق الكلام عليه فهو مجرد الفرض والظاهر أن النفخ بحرفين بحيث يصدق عليه الكلام مبطل وكذا التأوه بهما كما صرح به جماعة من الأصحاب لصدق التكلم ولو تأوه كذلك خوفا من النار ففي البطلان وجهان أحدهما نعم لصدق التكلم وثانيهما لا واختاره المحقق في المعتبر استنادا إلى أن ذلك منقول عن كثير من الصلحاء في الصلاة قال ووصف إبراهيم بذلك يؤذن بجوازه والأنين بحرفين بحيث يصدق التكلم مبطل للصلاة وروى الشيخ عن طلحة بن زيد عن جعفر بن محمد (ع) ان عليا عليه السلام قال من أن في صلاته فقد تكلم وحمله الأصحاب على الأنين بحرفين الرابع لافرق في بطلان الصلاة بين ان يكون الكلام لمصلحة الصلاة أم لا عند الأصحاب ولابين ان يكون الكلام لمصلحة أخرى غير الصلاة كانقاذ الأعمى والصبي إذا خاف عليهما التردي في بئر أم لا على المشهور بين الأصحاب ويفهم من المعتبر والمنتهى انه اجماعي عند الأصحاب وذكر المصنف في النهاية انه غير مبطل ولا يبعد ترجيح الأول لصدق التكلم ويؤيده ما روى الشيخ عن إسماعيل بن أبي زياد عن جعفر عن أبيه عن علي عليه السلام أنه قال في رجل يصلي ويرى الصبي يحبو إلى النار أو الشاة يدخل البيت ليفسد الشئ قال فلينصرف وليحرز ما يتخوف ويبنى على صلاته ما لم يتكلم ويجوز التنبيه بتلاوة القران والدعاء والذكر والإشارة باليد كما لو أراد الاذن لقوم فقال ادخلوها بسلام آمنين أو لمن أراد التخطي على البساط بنعله اخلع نعليك انك بالوادي
(٣٥٢)