الترخيص بالسفر المباح نص كان لهذا الكلام وجه بان يقال يصير الكلام بانضمام ذلك النص بمنزلة قولنا كل سفر مباح لم يجب فيه الجمعة وحينئذ فالقول بتحريم هذا السفر يوجب ابقاء هذا العام على عمومه لكنه مندفع عند التدبر إذ هو عند التأمل والتحقيق في قوة اثبات اللغة بالترجيح ومثله في المآل فالتعويل عليه مشكل واستدل المصنف في التذكرة على تحريم السفر بعد الزوال بما روى عن النبي صلى الله عليه وآله من سافر من دار اقامته يوم الجمعة دعت عليه الملائكة لا يصحب في سفره ولا يعان على حاجته والوعيد لم يلحق المباح وهو ضعيف لأن الظاهر أن الرواية عامية وحملها على التحريم وتخصيصها بما بعد الزوال ليس أولي من حملها على الكراهة واستدل عليه بعضهم بفحوى قوله تعالى وذروا البيع إذ الظاهر أن النهى عن البيع انما وقع لمنافاته السعي الواجب كما يشعر به التعليل المستفاد من قوله تعالى ذلكم خير لكم فيكون السفر المنافي كذلك وبما رواه ابن بابويه في الصحيح عن أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) قال إذا أردت الشخوص في يوم عيد فانفجر الصبح وأنت في البلد فلا تخرج حتى تشهد ذلك العيد وإذا حرم السفر بعد الفجر في العيد حرم بعد الزوال في الجمعة بطريق أولي لان الجمعة اكد من العيد وفي الدليلين ضعف قال الشارح الفاضل ومتى سافر بعد الوجوب كان عاصيا فلا يترخص حتى يفوت الجمعة فيبتدئ السفر من موضع تحقق الفوات قاله الأصحاب وهو يقتضي عدم ترخص المسافر الذي يفوت بسفره الاشتغال بالواجب من تعلم ونحوه أو يحصل في حالة الإقامة أكثر من حالة السفر لاستلزامه ترك الواجب المضيق فهو أولي من الجمعة خصوصا مع سعة وقتها ورجاء حصول جمعة أخرى أولا معه واستلزام الحرج وكون أكثر المكلفين لا ينفكون عن وجوب التعلم فيلزم عدم تقصيرهم أو فوات أغراضهم التي بها نظام النوع غير ضائر والاستبعاد غير مسموع انتهى وهو مبني على أن الامر بالشئ يستلزم النهى عن ضده الخاص وهو لا يقول به لكنه موافق للتحقيق فما ذكره صحيح كلما كان السفر منافيا للاشتغال بالتعلم الواجب المضيق الا في تحقيق المقدار الذي يجب تعلمه على كل مكلف اشكال وعسر وقد قال بعض أفاضل الشارحين ليس في الكتاب والسنة ما يدل على وجوب التعلم على الوجه الذي اعتبره المتأخرون بل المستفاد منهما خلاف ذلك كما يرشد إليه تيمم عمار وطهارة أهل قبا ونحو ذلك وأطال الكلام في هذا الباب وقوى عدم الوجوب والاكتفاء في الاعتقادات الكلامية بإصابة الحق كيف اتفق وان لم يكن عن دليل وقواه بعض الأفاضل المتأخرين عنه وهو عند التأمل لا يوافق القواعد الصحيحة العدلية على ما أظن وتحقيق هذا المقام يحتاج إلى زيادة تطويل لا يناسب هذا الكتاب فرعان الأول لو كان السفر واجب كالحج والغزو مع التضيق أو مضطر إليه ارتفع التحريم على اشكال في السفر الواجب الثاني لو كان بعيدا عن الجمعة بفرسخين فما دون فخرج مسافرا في صوب الجمعة قيل يجب عليه الحضور عينا وان صار في محل الترخص لأنه لولاه لحرم عليه السفر ولان من هذا شانه يجب عليه السعي قبل الزوال فيكون سبب الوجوب سابقا على السفر كما في الاتمام لو خرج بعد الزوال واحتمل في الذكرى عدم كون هذا المقدار محسوبا من المسافة لوجوب قطعه على كل تقدير ويجري مجرى الملك في أثناء المسافة قال ويلزم من هذا خروج قطعه من السفر عن اسمه بغير موجب (ع) وقال بعض المتأخرين ولو قيل باختصاص تحريم السفر بما بعد الزوال وان وجوب السعي إلى الجمعة قبله للبعيد انما يثبت مع عدم انشاء المكلف سفر ا مسقطا للوجوب لم يكن بعيدا من الصواب والظاهر عندي ان انشاء السفر إذا كان قبل زمان تعلق وجوب السعي وهو زمان لا يدرك الجمعة ان اخر السعي سقطت الجمعة والا وجبت عليه وان صدق اسم المسافر ووجهه يعلم مما حققناه سابقا ويحرم الاذان الثاني اختلف الأصحاب في الاذان الثاني فذهب الشيخ في المبسوط والمحقق في المعتبر إلى أنه مكروه وذهب ابن إدريس وجمهور المتأخرين إلى أنه محرم احتج القائلون بالتحريم بان الاتفاق واقع على أن النبي صلى الله عليه وآله لم يفعله ولا أمر بفعله وإذا لم يثبت مشروعيته كان بدعة كالاذان للنافلة والمروى ان أول من فعل ذلك عثمان قال الشافعي ما فعله النبي وأبو بكر وعمر أحب إلي وقيل أول من فعل ذلك معاوية وهو متجه ان قصد به كونه عبادة على هذا الوجه واحتجوا أيضا بما رواه الشيخ عن حفص بن غياث عن جعفر عن أبيه قال الاذان الثالث يوم الجمعة بدعة وسمى ثالثا لأنه ثالث بالنسبة إلى الأذان والإقامة الموظفين شرعا وردها المحقق باستضعاف السند قال في الذكرى ولا حاجة إلى الطعن في السند مع قبول الرواية التأويل وتلقى الأصحاب لها بالقبول بل الحق ان لفظ البدعة ليس بصريح في التحريم فان المراد بالبدعة ما لم يكن في عهد النبي صلى الله عليه وآله ثم تجدد بعده وهو ينقسم إلى محرم ومكروه ويرد عليه ان الظاهر من البدعة التحريم وقد روى الشيخ عن زرارة ومحمد بن مسلم والفضيل في الصحيح عن الصادقين (ع) الا وان كل بدعة ضلالة وكل ضلالة سبيلها إلى النار نعم يمكن ان يقال يحتمل ان يكون المراد بالاذان الثالث الاذان للعصر فدلالة الرواية على المدعا غير واضحة واختلف كلامهم في تفسير الاذان الثاني فقيل ما وقع ثانيا بالزمان بعد اذان اخر واقع في الوقت من مؤذن واحدا وقاصد كونه ثانيا سواء كان بين يدي الخطيب أو على المنارة أو غيرهما وقيل ما وقع ثانيا بالزمان والقصد لان الواقع أولا هو المأمور به والمحكوم بصحته فيكون التحريم متوجها إلى الثاني وقيل إنه ما لم يكن بين يدي الخطيب لأنه الثاني باعتبار الاحداث سواء وقع أولا أو ثانيا بالزمان لما رواه الشيخ عن عبد الله بن ميمون عن جعفر عن أبيه (ع) قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا خرج إلى الجمعة قعد على المنبر حتى يفرغ المؤذنون والرواية ضعيفة السند معارضة بما رواه الشيخ عن محمد بن مسلم في الحسن بإبراهيم بن هاشم قال سألته عن الجمعة فقال اذان وإقامة يخرج الامام بعد الاذان فيصعد المنبر الحديث وهو صريح في استحباب الاذان قبل صعود الامام المنبر فيكون المحدث غيره وقال ابن إدريس الاذان الثاني ما يفعل بعد نزول الامام مضافا إلى الاذان الذي عند الزوال ويحرم البيع وشبهه من العقود والايقاعات بعد الزوال أجمع العلماء كافة على تحريم البيع بعد الاذان للجمعة نقل الاجماع عليه المصنف في المنتهى والتذكرة ويدل عليه قوله تعالى وذروا البيع لأنه في قوة ان يقال اتركوا البيع بعد النداء فيكون البيع حراما واما الاستدلال عليه بقوله تعالى فاسعوا بناء على أن الفورية يستفاد من ترتب الجزاء على الشرط أو على أن قوله تعالى وذروا البيع قرينة على إرادة الفور من الامر بالسعي وإذا كان الامر بالسعي للفور كان البيع شرعا لمنافاته للسعي والامر بالشئ يستلزم النهي عن ضده فمع ما فيه من مخالفة المشهور من عدم وجوب السعي فورا بل يتضيق بتضيق وقت الصلاة فلا يصلح للقائلين بالتوسعة الاستناد إليه وضعف الابتناء الثاني لا يفيد عموم الدعوى بل يختص بصورة المنافاة ثم لا يخفى ان المذكور في عبارات الأصحاب تحريم البيع بعد الاذان حتى أن المصنف في المنتهى والنهاية نقل اجماع الأصحاب على عدم تحريم البيع قبل النداء ولو كان بعد الزوال قال في المنتهى لا نعرف خلافا بين أهل العلم في مشروعية الاذان عقيب حضور الامام إلى قوله وهو الاذان الأول الذي يحرم به البيع ويتعلق به وجوب السعي وينبغي فعله مع اذان المؤذنين في المنارة وقال أيضا وإذا صعد الخطيب المنبر ثم اذن المؤذن حرم وهو مذهب علماء الأمصار إلى قوله ولا يحرم بزوال الشمس ذهب إليه علماؤنا أجمع بل يكون مكروها ونسبه إلى جماعة من التابعين وأكثر أهل العلم ونسب إلى مالك واحمد تحريم البيع بعد الزوال فما اختاره في هذا الكتاب من إناطة التحريم بالزوال واختاره الشارح الفاضل محل تأمل بقى الكلام في تحقيق ما يشبه البيع من سائر العقود والايقاعات ولعل المشهور عدم التحريم قال المحقق في المعتبر الأشبه بالمذهب لا واستشكله المصنف في جمله من كتبه فتوقف في بعضها وذهب في بعضها إلى التحريم ووافقه جماعة من الأصحاب منهم الشهيد نظرا إلى المشاركة في العلة المؤمى إليها بقوله ذلكم خير لكم وهو ضعيف وربما يحتج عليه (إليه) بفورية السعي ومنافاته لمطلق المعاوضة وأنت خبير بما فيه قال في الذكرى ولو حملنا البيع على المعاوضة المطلقة التي هي معناه الأصلي كان المستفاد من الآية تحريم غيره ويمكن تعليل التحريم بان الامر بالشئ يستلزم النهي عن ضده ولا ريب ان السعي مأمور به فيتحقق النهي عن كل ما ينافيه من بيع وغيره ويرد عليه على الأول ان مطلق المعاوضة غير المعنى المتبادر من البيع عرفا وشرعا سلمنا التساوي لكن تعيين كون المراد مطلق المعاوضة يحتاج إلى دليل مع أن الأصل عدم التحريم وعلى الثاني انه مخالف لما ذهب ألية في مواضع من كتابه من عدم كون الامر بالشئ مقتضيا للنهي عن ضده الخاص ولا يثبت به (عله لها) دعوى
(٣١٤)