بقول النبي صلى الله عليه وآله رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وفيه تأمل لكن إذ قد عرفت ان مأخذ الحكم منحصر في الاجماع فيجب اقتصاره على مورده وهو في صورة العمد واستشكل هذا الحكم الشارح الفاضل بالكثير الذي يوجب انمحاء صورة الصلاة وفيه تأمل فتدبر ويبطل الصلاة أيضا بتعمد البكاء للدنيوية من الأمور كذهاب مال أو فوت حي محبوب وان وقع على وجه لا يمكن رفعه وان ارتفع الاثم حينئذ وهذا الحكم ذكره الشيخ وجماعة من الأصحاب ولم اطلع على مخالف فيه واستدلوا عليه بأنه فعل خارج عن حقيقة الصلاة فيكون قاطعا وبما رواه الشيخ عن النعمان بن عبد السلام عن أبي حنيفة قال سألت أبا عبد الله (ع) عن البكاء في الصلاة يقطع الصلاة قال إن بكى لذكر جنة أو نار فذلك هو أفضل الأعمال في الصلاة وإن كان لذكر ميت له فصلوته فاسدة والأول قياس محض والرواية ضعيفة لاشتمال سنده على عدة من الضعفاء ولهذا توقف فيه بعض الشارحين للشرائع ونقله عن بعض مشايخه المعاصرين له ولا يبعد ان يقال ضعف الخبر منجبر بالشهرة بين الأصحاب وعلى كل تقدير فالاحتياط في الاجتناب عنه قال الشارح الفاضل واعلم أن البكاء المبطل للصلاة هو المشتمل على الصوت لا مجرد خروج الدمع مع احتمال الاكتفاء به في البطلان ووجه الاحتمالين اختلاف معنى البكاء المبطل لغة مقصورا وممدودا والشك في إرادة أيهما من الاخبار قال الجوهري البكاء يمد ويقصر فإذا مددت أردت الصوت الذي يكون مع البكاء وإذا قصرت أردت الدموع وخروجها قال الشاعر بكت عيني وحق لها بكاها وما يغني البكاء ولا العويل انتهى وما نقله عن الجوهري نسبه ابن فارس إلى قوم وليس بمتفق عليه عند أهل اللغة والظاهر عدم الفرق بين اللفظين عرفا فالظاهر من كلام الأصحاب إرادة الأعم وكذا في الرواية مع أنه لم يرد في الرواية بلفظ البكاء بل بلفظ الفعل وظاهره العموم بالنسبة إلى الامرين ومع هذا يحتمل تخصيص الحكم قصرا للحكم المخالف للأصل على القدر المتيقن مع تأمل فيه هذا كله إذا كان البكاء لشئ من أمور الدنيا واما البكاء خوفا من الله تعالى وخشية من عقابه وندامة على ما صدر عنه من التفريط فهو أفضل الأعمال قال الله تبارك وتعالى إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا فقد صح عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال لأمير المؤمنين (ع) في جملة وصية له. والرابعة كثرة البكاء لله يبنى لك بكل دمعة الف بيت في الجنة وروى ابن بابويه عن (منصور) صفور بن يونس بن و ج انه سأل الصادق (ع) عن الرجل يتباكى في الصلاة المفروضة حتى يبكى قال قرة عين والله وقال إذا كان كذلك فاذكرني عنده وروى الشيخ عن سعيد بياع السابري قال قلت لأبي عبد الله (ع) أيتباكى الرجل في الصلاة قال بخ بخ ولو مثل رأس الذباب وروى الكليني عن ابن أبي عمير في الحسن بإبراهيم عن (منصور) صفور بن يونس عن محمد بن مروان عن أبي عبد الله (ع) قال مامن مشي الا وله كيل ووزن الا الدموع فان القطرة يطفئ بحارا من نار فإذا اغرورقت العين بمائها لم يرهق وجهها قتر ولا ذلة فإذا فاضت حرم الله على النار ولو أن باكيا بكى في أمة لرحموا وعن محمد بن مروان عن أبي عبد الله (ع) قال مامن عين الا وهي باكية يوم القيمة الا عينا بكت من خوف الله وما أغر ورقت عين بمائها من خشية الله عز وجل الا حرم الله عز وجل سائر جسده على النار ولا فاضت على خده فرهق ذلك الوجه قتر ولا ذلة وما من شئ الا وله كيل ووزن الا الدمعة فان الله عز وجل يطفي باليسير منها البحار من النار فلو ان عبدا بكا في أمة لرحم الله عز وجل تلك الأمة بكاء ذلك العبد وعن أبي حمزة عن أبي جعفر (ع) قال مامن قطرة أحب إلى الله عز وجل من قطرة دموع في سواد الليل مخافة من الله لا يراد بها غيره وفي الحسن بإبراهيم عن صالح بن رزين ومحمد بن مروان وغيرهما عن أبي عبد الله (ع) قال كل عين باكية يوم القيمة الا ثلاثة أعين غضت من محارم الله وعين سهرت في طاعة الله وعين بكت في جوف الليل من خشية الله وعن ابن أبي عمير في الحسن بإبراهيم عن رجل من أصحابه قال قال أبو عبد الله (ع) اوحى الله عز وجل إلى موسى (ع) ان عبادي لم يتقربوا إلي بشئ أحب إلى من ثلاث خصال قال موسى يا رب وما هن قال يا موسى الزهد في الدنيا والورع من المعاصي والبكاء من خشيتي قال موسى يا رب فما لمن صنع ذا فأوحى الله عز وجل إليه يا موسى إما الزاهدون في الدنيا ففي الجنة واما البكاؤن من خشيتي ففي الرفيع الاعلى لا يشاركهم أحد واما الورعون عن المعاصي فاني أفتش الناس ولا أفتشهم وعن علي بن أبي حمزة قال قال أبو عبد الله (ع) لأبي بصير ان خفت أمرا يكون أو حاجة تريدها فابدأ بالله فمجده واثن عليه كما هو أهله وصلى على النبي صلى الله عليه وآله واسئل حاجتك وتباك ولو مثل رأس الذباب ان أبي (ع) كان يقول إن أقرب ما يكون العبد من الرب عز وجل وهو ساجد باك والاخبار في فضل البكاء والتباكي كثيرة وفيما ذكرناه كفاية وفي اخبار متعددة دلالة على أن الابتهال يكون عند جرى الدمعة وعندما يرى أسباب البكاء وتبطل الصلاة أيضا بتعمد الأكل والشرب وهو مذهب الشيخ في المبسوط والخلاف ومنعه المحقق في المعتبر وطالبه بالدليل على ذلك واستقرب عدم البطلان بهما الا مع الكثرة كسائر الافعال الخارجة من الصلاة واستشكل المصنف في المنتهى الاجماع الذي نقله الشيخ وجعل ما نقلناه عن المحقق أولي وهو مختار جماعة من المتأخرين منهم الشهيد قصرا للحكم المخالف للأصل على مورد الاتفاق ويمكن الاستدلال عليه بما أشرنا إليه من العمومات لكنه لا يصفو عن نوع تأمل قال في المنتهى ولو ترك في فيه شيئا يذوب كالسكر تذاب فابتلعه لم تفسد صلاته عندنا وعند الجمهور يفسد لأنه يسمى كلاما لو بقى من أسنانه شيئا من بقايا الغداء فابتلعه في الصلاة لم تفسد صلاته قولا واحدا لأنه لا يمكن التحرز عنه وكذا لو كان في فيه لقمة ولم يبتلعها الا في الصلاة لأنه فعل قليل وفرع الشارح الفاضل الأولين على القول باعتبار الكثرة في البطلان وبناهما عليه وهو مناف للاتفاق المفهوم من كلام المصنف ولو وضع في فيه لقمة ومضغها وابتلعها أو تناول قلة وشرب منها فقد قال المصنف في النهاية والتذكرة انه مبطل أيضا لان التناول والمضغ والابتلاع أفعال كثيرة وكذا المشروب والتخصيص بالعمد يقتضي عدم بطلان الصلاة بهما ناسيا ونقل في المنتهى اجماع الأصحاب عليه ويؤيده ما أشرنا إليه من العمومات السابقة مع عدم الدليل على حصول البطلان به وهذا الحكم ثابت في جميع الصلوات الا في الوتر لصائم اصابه عطش المستند فيه ما رواه الشيخ عن سعيد الأعرج قال قلت لأبي عبد الله (ع) اني أبيت وأريد الصوم فأكون في الوتر فأعطش فأكره ان اقطع الدعاء واشرب وأكره ان أصبح وانا عطشان وامامي قلة بيني وبينها خطوتان أو ثلاث قال تسعى إليها وتشرب منها حاجتك وتعود إلى الدعاء وهذا الاستثناء انما يصح بناء على قول الشيخ من اعتبار المسمى أو بناء على أن الشرب فعل كثير والا فلا استثناء واستقرب المصنف في المنتهى اعتبار القلة ههنا وحمل رواية سعيد على القلة ويفهم منه ان الفعل الكثير قادح في النوافل أيضا وهو ظاهر اطلاقاتهم وقد تردد بعض الشارحين نظرا إلى ما دل على اختلاف حكم الفريضة والنافلة ووقوع المساهلة التامة فيها مثل فعلها جالسا وراكبا وماشيا والى غير القبلة وبدون السورة وبعض الأصحاب اشترط ان لا يفعل ما ينافي الصلاة اقتصارا في الرخصة على موردها لكن الرواية مشتملة على ثلاث خطوات والمصنف في كثير من كتبه عدها من الفعل الكثير فان صح كان مستثنى أيضا ولافرق في الوتر بين الواجب بالنذر وغيره ولا في الصوم بين الواجب وغيره عملا باطلاق الخبر والشيخ جعل مورد الرخصة مطلق النافلة محتجا بالخبر وفيه ان الرواية مخصوصة بالصورة المذكورة فتعديتها إلى غيرها لاوجه له ومن هنا يعلم أن الاستناد إلى الرواية يقتضي عدم تعميم الحكم بالنسبة إلى صلاة الوتر مطلقا بل تخصيصها بدعائه كما هو موردها ومن ثم اقتصر بعض الأصحاب عليه وإذ قد عرفت ضعف مستند الحكم من أصله وان التعويل على اعتبار القلة والكثرة غير بعيد سقط ابتناء الحكم على خصوص الرواية لكن البراءة اليقينية من التكليف الثابت تقتضيه ولا يبطل جميع ذلك المتقدم من قوله وبتعمد التكفير إلى هنا لو وقع سهوا وقد مر الكلام فيه وتبطل الصلاة أيضا بالاخلال بركن وهو القيام والنية والتكبير والركوع والسجود وقد مر ما يتعلق بالقيام والنية والتكبير وقد بقى في هذا المقام مسئلتان الأولى المشهور بين الأصحاب ان من أخل بالركوع ناسيا حتى يسجد بطلت صلاته وهو قول المفيد والسيد المرتضى وسلار وابن إدريس وأبي الصلاح وابن البراج وهو المحكي عن ظاهر ابن أبي عقيل واليه ذهب جمهور المتأخرين وقال الشيخ في المبسوط وان أخل به عامدا أو ناسيا في الأوليين مطلقا أو في ثالثة المغرب بطلت صلاته وإن كان في الأخيرتين من الرباعية فان تركه عملا (عمدا) بطلت صلاته فان تركه ناسيا
(٣٥٧)