عنهم في صورة صلى إلى غير القبلة ناسيا (ساهيا) وهو غير الالتفات فلعل ما ذكره مبني على عدم الفرق وفي كلامه اشعار ما بذلك وقال بعض المتأخرين ان الانحراف إن كان يسيرا لا يبلغ حد اليمين واليسار لم يضر وان بلغه واتى بشئ من الافعال في تلك الحال أعاد في الوقت والا فلا إعادة وينبغي التنبيه على الاضطراب الذي أشرنا إليه قال الشيخ في المبسوط بعد أن عد التروك الواجبة في الصلاة وعد منها الالتفات إلى ما وراءه وهذه التروك الواجبة على القسمين أحدهما متى حصل عامدا كان أو ناسيا أبطل الصلاة والقسم الأخر متى حصل ساهيا أو ناسيا أو للتقية فإنه لا يقطع الصلاة وهو كل ما عدا نواقض الوضوء وهذا تصريح منه بان الالتفات ساهيا لا يقطع الصلاة ثم قال بعد ذلك في فصل اخر ومن نقص ركعة أو ما زاد عليها ولا يذكر حتى يتكلم أو يستدبر القبلة أعاد وهذا ظاهر في أن الاستدبار سهوا موجب للبطلان فبين كلاميه تدافع واحتذى كلامية أبي حمزة في الوسيلة فذكر نحوا منهما وعد المحقق في الشرايع الالتفات إلى ما وراءه من جملة ما لا يبطل الصلاة الا عمدا وصرح في المعتبر بان الاستدبار مبطل للصلاة عمدا وسهوا وصرح المصنف في هذا الكتاب بان الالتفات لا يبطل سهوا وسيجئ قوله ولو نقصها أو ما زاد سهوا أتم ان لم يكن تكلم أو استدبر القبلة أو أحدث وصرح في المنتهى بان الالتفات إلى ما وراءه سهوا لا يبطل الصلاة وصرح في مبحث السهو بان الاستدبار مبطل للصلاة عمدا وسهوا وصرح بالأول في النهاية وقال في المبحث الذي قريب منه فيمن نقص من عدد صلاته ساهيا إما لو فعل المبطل عمدا وسهوا كالحدث والاستدبار ان ألحقناه فإنها تبطل وهذا رجوع منه إلى التردد بعد الحكم بعدم كونه مبطلا سهوا ويمكن دفع التدافع في كلام الشيخ وابن حمزة وكلامي المصنف ههنا بحمل التكلم والاستدبار المذكور في كلامهم إذا كان عمدا بعد ظن الخروج فرقا بينه وبين السهو وهذا التوجيه لا يجري في كلام المصنف في المنتهى وما يحذو حذوه ولو ظن الخروج من الصلاة فاستدبر عامدا ففي الحاقه بالسهو وعدمه وجهان ولعل الأول أشهر هذا تحريز الأقوال في هذه المسألة ومستند أصل المسألة روايات منها ما رواه الشيخ عن زرارة في الصحيح انه سمع أبا جعفر (ع) يقول الالتفات يقطع الصلاة إذا كان بكله ومنها ما رواه الصدوق عن عمر بن أذينة في الصحيح عن أبي عبد الله (ع) انه سأله عن الرجل يرعف وهو في الصلاة وقد صلى بعض صلاته فقال إن كان الماء عن يمينه أو عن شماله أو عن خلفه فليغسله من غير أن يلتفت وليبن على صلاته فإن لم يجد الماء حتى يلتفت فليعد الصلاة قال والقئ مثل ذلك ومنها ما رواه الشيخ والكليني في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) قال سألته عن الرجل يلتفت في الصلاة قال لا ولا ينقض أصابعه ومنها ما رواه ابن بابويه عن زرارة في الصحيح عن أبي جعفر (ع) ثم استقبل القبلة ولا تقلب بوجهك عن القبلة فيفسد صلاتك فان الله عز وجل يقول لنبيه صلى الله عليه وآله في الفريضة فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره وروى الكليني والشيخ عنه في الحسن بإبراهيم بن هاشم عن زرارة عن أبي جعفر (ع) قال إذا استقبلت القبلة فلا تقلب وجهك عن القبلة فتفسد صلاتك فان الله تعالى قال لنبيه في الفريضة فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره واخشع بصرك ولا ترفعه إلى السماء ولكن حذاء وجهك في موضع سجودك ومنها ما رواه الكليني والشيخ عن الحلبي في الحسن بإبراهيم بن هاشم عن أبي عبد الله (ع) قال إذا التفت في صلاة مكتوبة من غير فراغ فأعد الصلاة إذا كان الالتفات فاحشا وان كنت قد تشهدت فلا تعد ومنها حسنة الحلبي المتقدمة في المسألة السابقة ومنها ما رواه الصدوق عن أبي بصير في الضعيف عن الصادق (ع) ان تكلمت أو صرفت وجهك عن القبلة فأعد ومنه ما رواه الشيخ عن محمد بن مسلم باسناد فيه ضعف عن أحدهما (ع) قال سئل عن رجل دخل مع الامام في صلاته وقد سبقه بركعة فلما فرغ الامام خرج مع الناس ثم ذكر انه فاتته ركعة قال يعيد ركعة واحدة يجوز له ذلك إذا لم يحول وجهه عن القبلة فإذا حول وجهه فعليه ان يستقبل الصلاة استقبالا إلى غير ذلك من الاخبار إذا عرفت هذا فاعلم أن الصحيح ان الانحراف عن القبلة بكل البدن يوجب بطلان الصلاة مطلقا وان لم يصل إلى حذاء التشريق والتغريب عملا بمنطوق صحيحة زرارة المذكورة وعموم عدة من الأخبار المذكورة فان قلت يدفعه مفهوم حسنة الحلبي فان مقتضاه عدم البطلان عند عدم كونه فاحشا وما رواه الشيخ في الاستبصار عن عبد الحميد بن عبد الملك في الصحيح قال سألت أبا عبد الله (ع) عن الالتفات في الصلاة أيقطع الصلاة فقال لا وما أحب ان يفعل كذا في الاستبصار وفي التهذيب عن عبد الحميد عن عبد الملك ولعل ما في الاستبصار هو الصحيح قلت لا يبعد ان يقال الفحش حاصل عند الالتفات بكل البدن فإنه كما يحصل باعتبار زيادة الانحراف يحصل باعتبار شمول البدن أيضا مع أن العمل بالمنطوق راجح واما خبر عبد الحميد فمحمول على صورة عدم الالتفات بالكلية جمعا بين الأدلة واما الانحراف بالوجه إذا وصل إلى حد الخلف فمقتضى صحيحة زرارة المنقولة عن الفقيه انه موجب للبطلان ويدل عليه أيضا حسنة الحلبي المذكورة إذ الظاهر أن الفحش متحقق في الصورة المذكورة ويدل عليه أيضا ما دل على أن الالتفات مبطل من غير تخصيص نعم يعارضه مفهوم صحيحة زرارة والجواب عنه ان عموم المفهوم فيها معتبر بالنسبة إلى الافراد الشايعة الغالبة دون الافراد النادرة فان الالتفات بالوجه بحيث يصل إلى حد الخلف مع عدم الانحراف بكل البدن نادر جدا وهذا أولي في وجه الجمع بينه وبين منطوق حسنة الحلبي من أن يحمل الفحش فيه باعتبار كل البدن حسب توفيقا بين الخبرين وبين صحيحة حسنة زرارة المنقولة عن الفقيه فاذن ذلك أقرب من تخصيص الخبر المذكور بالالتفات بجميع البدن وهو ظاهر واعلم أن ليس المراد بالخلف في قولنا الالتفات بالوجه بحيث يصل إلى الخلف المقابل للقبلة حقيقة بل هو (مع) ما يقرب منه ويمكن الحاق ما بين الجانبين والخلف به مطلقا نظرا إلى ما ذكرنا من الدليل واما الالتفات إلى محض اليمين واليسار ففي كونه مبطلا تأمل ولا يبعد ترجيح عدم الأبطال لمفهوم صحيحة زرارة وما رواه الشيخ عن علي بن جعفر في الصحيح عن أخيه موسى عليه السلام قال سألته عن الرجل يكون في صلاته فيظن ان ثوبه قد انخرق أو اصابه شئ هل يصلح له ان ينظر فيه أو يمسه قال إن كان في مقدم ثوبه أو جانبيه فلا باس وإن كان في مؤخرة فلا يلتفت فإنه لا يصلح ويعضده عموم رواية عبد الحميد فان قلت حسنة الحلبي السابقة وصحيحة زرارة المنقولة عن الفقيه تدلان على الأبطال قلت لانم تحقق الفحش في الصورة المذكور فلا معارضة للحسنة المذكورة واما الصحيحة فمخصصة بالالتفات الفاحش جمعا بين الأدلة ومن هنا يظهر ان الالتفات إلى أحد الجانبين إذا لم يصل حد التشريق والتغريب غير مبطل وهل يحرم الالتفات إلى أحد الجانبين الظاهر العدم للأصل والظاهر صحيحة عبد الحميد وصحيحة محمد بن مسلم غير ناهضة بالدلالة على التحريم خصوصا مع انضمام غير المحرم إليه فيها نعم إذا كان الالتفات طويلا جدا احتمل القول بالتحريم أو الأبطال وكذا لو فعل شيئا من أفعال الصلاة حال الالتفات لوجوب الاستقبال بجميع البدن عند الاتيان بأفعال الصلاة ويحتمل الفرق بين مالا يمكن تداركه من الافعال كالأركان وغيرها كالقراءة هذا هو الكلام في صورة العمد واما السهو فان بلغ الانحراف حد اليمين أو اليسار وكان الانحراف بكل البدن أو بالوجه خاصة مع بلوغه حد الاستدبار فلا يبعد اختيار انه مثل العمد في البطلان فيجب الإعادة في الوقت وخارجه لعموم المستند وعدم ما يصلح للتخصيص واما ما دل على العفو عن السهو فإنما المستفاد منه عدم الاثم والعقاب لاعدم ترتب الأحكام الوضعية فان قلت قد روى الكليني والشيخ عن عبد الرحمن أبي عبد الله في الصحيح عن أبي عبد الله (ع) قال إذا صليت وأنت على غير القبلة فاستبان لك انك صليت وأنت على غير القبلة وأنت في وقت فأعد وان فاتك الوقت فلا تعد وهذا يدل على عدم وجوب القضاء لمن التفت ساهيا إما بناء على عموم الرواية بالنسبة إلى من صلى على غير القبلة تمام الصلاة ساهيا فينسحب الحكم ههنا بطريق أولي واما بناء على عمومها بالنسبة إلى من صلى بعض صلاته على غير القبلة ساهيا ويدل عليه أيضا صحيحة زرارة المذكورة في بحث القبلة عند شرح قول المصنف ولو صلى باجتهاده أو لضيق الوقت والنسبة بين الخبرين وما استندتم إليه من الاخبار عموم من وجه فيجوز ارتكاب التخصيص في كلام الجانبين فما وجه ترجيح ما ذكرتم قلت تخصيص الروايتين بمن صلى على غير القبلة ظانا أولي من ارتكاب التأويل في الأخبار الكثيرة وفي قوله
(٣٥٤)