مختار المحقق ومال إليه الشهيدان لنا ما رواه الشيخ عن عبد الله بن سنان في الصحيح عن أبي عبد الله (ع) قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله يصلى الجمعة حين تزول الشمس قدر شراك ويخطب في الظل الأول فيقول جبرئيل يا محمد قد زالت الشمس فأنزل فصل وجه الاستدلال ان المستفاد من قوله الظل الأول ما كان قبل حدوث الفئ بقرينة قول جبرئيل يا محمد قد زالت الشمس فأنزل وتحديد الزوال في أول الخبر بقدر شراك بناء على أنه مقدار قليل لا يكاد يحصل العلم اليقيني بالزوال قبل ذلك وقد يقال إن الظل لا يطلق على الفئ الحادث حقيقة وهو المنقول عن جماعة من أهل اللغة وعلى هذا يقوى الاستدلال لكن ذلك لم يثبت عندي وأجيب عن هذا الدليل بان الأولية أمر اضافي يختلف باختلاف المضاف إليه فيمكن ان يراد به أول الظل وهو الفئ الحاصل بعد الزوال بغير فصل كما يدل عليه قوله (ع) ان رسول الله صلى الله عليه وآله كان يصلى الجمعة حين تزول الشمس قدر شراك فان ادراكه (ع) بالصلاة بعد زوال الشمس عن دائرة نصف النهار قدر شراك يستدعي وقوع الخطبة أو شئ منها بعد الزوال ويكون معنى قول جبرئيل (ع) يا محمد قد زالت الشمس فأنزل وصل انها قد زالت قدر الشراك فأنزل وصل وفيه عدول عن الظاهر (وأجاب المصنف) في المختلف بالمنع من دلالة الخبر على صورة النزاع لاحتمال ان يكون المراد بالظل الأول هو الفئ الزائد على ظل المقياس فإذا انتهى في الزيادة إلى محاذاة الظل الأول وهو ان يصير ظل كل شئ مثله وهو الظل الأول نزل فصلى بالناس ويصدق عليه ان الشمس قد زالت حينئذ لأنها قد زالت عن الظل الأول وفيه بعد وعدول عن الظاهر جدا مع استلزامه وقوع الجمعة بعد وقتها عند المصنف وصيرورة ظل كل شئ مثله ولنا الاخبار أيضا الكثيرة الدالة على أن أول (وقت) صلاة الجمعة أول الزوال وهو يقتضي جواز ايقاع الخطبة قبل الزوال وقد مر طرف من تلك الأخبار عند شرح قول المصنف ووقتها عند زوال الشمس واحتج الشيخ باجماع الفرقة أيضا وهو اعلم بما ادعاه احتج المانعون بقوله تعالى إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله أوجب السعي بعد النداء الذي هو الاذان فلا يجب قبله وبما رواه الشيخ عن محمد بن مسلم في الحسن بإبراهيم بن هاشم قال سألته عن الجمعة فقا ل اذان وإقامة يخرج الامام بعد الاذان فيصعد المنبر فيخطب ولا يصلي الناس ما دام الامام على المنبر ثم يقعد الامام على المنبر قدر ما يقرا قل هو الله ثم يقوم فيفتح خطبته ثم ينزل فيصلى بالناس يقرأ بهم في الركعة الأولى بالجمعة وفي الثانية بالمنافقين وبان الخطبتين بدل من الركعتين فكما لا يجوز ايقاع المبدل قبل الزوال فكذا البدل وبأنه يستحب صلاة ركعتين عند الزوال وانما يكون ذلك إذا وقعت الخطبة بعده والجواب عن الأول انه موقوف على عدم جواز الاذان يوم الجمعة قبل الزوال وهو مم لا يقال قد مر سابقا ان عدم جواز ايقاع الاذان قبل دخول وقت الصلاة اتفاقي بين علماء الاسلام لأنا نقول الخطبتان بمنزلة بعض الصلاة فإذا دخل وقت الخطبتين فكأنه دخل وقت الصلاة وبالجملة القدر المسلم حصول الاتفاق على عدم جواز الاذان قبل وقت الخطبتين لا وقت الصلاة على أن هذا لازم على المانعين أيضا إذ على قولهم وقت الصلاة بعد الزوال بمقدار الخطبتين فإذا جاز الاذان في أول الزوال يلزم جوازه قبل دخول وقت الصلاة وبما ذكرناه يعلم الجواب عن الثاني على أن الخبر غير دال على وجوب ما اشتمل عليه بقرينة ذكر مالا خلاف في استحبابه واما الأخيران فضعفهما ظاهر لا يحتاج إلى الإطالة ويجب الفصل بين الخطبتين بجلسة خفيفة على المشهور بين الأصحاب واستشكل المصنف في المنتهى وتردد المحقق في المعتبر قال وجه الوجوب فعل النبي صلى الله عليه وآله وأئمة الجمع بعده ولما روى عن أهل البيت (ع) من طرق أحدهما رواية معاوية بن وهب التي سلفت عن أبي عبد الله (ع) قال يخطب وهو قائم ثم يجلس بينهما جلسة لا يتكلم فيها ووجه الاستحباب انه فصل بين ذكرين جعل للاستراحة فلا يتحقق فيه معنى الوجوب ولان فعل النبي صلى الله عليه وآله كما يحتمل ان يكون تكليفا يحتمل انه للاستراحة وليس فيه معنى التعبد ولانا لا نعلم الوجه الذي أوقعه عليه فلا يجب المتابعة انتهى كلامه والكلام في وجوب الطمأنينة فيه كما في وجوب الجلوس والأولى السكوت في حال الجلوس لرواية معاوية بن وهب السابقة عند شرح قول المصنف والخطبتان من قيام ويحتمل ان يكون المراد بقوله لا يتكلم فيها النهي عن التكلم بشئ من الخطبة حالة الجلوس ويستحب ان يكون الجلسة بقدر قرائة قل هو الله أحد لحسنة محمد بن مسلم السابقة في المسألة المتقدمة وذكر المصنف وغيره انه لو عجز عن القيام في الخطبتين فصل بينهما بسكتة وهو غير بعيد واحتمل في التذكرة الفصل بينهما بالاضطجاع (وهو بعيد) ويجب رفع صوته حتى يسمع العدد المعتبر فصاعدا وتردد فيه المحقق في الشرايع وهو في موقعه ووجهه أصالة عدم الوجوب وان الغرض من الخطبة لا يحصل بدون الاستماع ويؤيده فعل النبي والأئمة (ع) وتوقف البراءة اليقينية عليه ولو حصل مانع سقط الوجوب واحتمل بعضهم سقوط الصلاة حينئذ لعدم سقوط التعبد بالصلاة على هذا الوجه وفيه تأمل ولو صليت الجمعة فرادى لم تصح وقدمها يدل عليه سابقا ولو اتفقت جمعتان بينهما أقل من فرسخ بطلتا ان اقترنت لامتناع الحكم بصحتهما ولا أولوية لأحدهما فيكون البطلان ثابتا لهما وتجب عليهما الجمعة مجتمعين أو متفرقين بما يجوز معه التعدد ان بقى الوقت ويتحقق الاقتران باستوائهما في التكبير عند علماؤنا وأكثر العامة والروايات التي هي الأصل في هذا الحكم غير ناهضة باثبات هذا التحديد فاذن التعويل على الاجماع ان ثبت وهل المعتبر أول التكبير أو اخره أو المجموع فيه أوجه وبالأوسط صرح المصنف في النهاية واعتبر بعض العامة الشروع بالخطبة لقيامها مقام ركعتين وقال بعضهم يعتبر بالفراغ فان تساويا فيه بطلتا وان سبقت إحديهما بالتسليم صحت دون الأخرى واطلاق كلام الأصحاب وصريح بعضهم يقتضي عدم الفرق بين ما إذا علم كل فريق بالاحرام لامع حصول العلم بالاقتران بعد الفراغ ويشكل بان الاتيان بالمأمور به ثابت لكل من الفريقين لاستحالة التكليف بالغافل وعدم ثبوت شرطية الوحدة على هذا الوجه وبالجملة ليس للروايات التي هي مستند الحكم دلالة واضحة على انسحاب الحكم في الصورة المذكورة الا بتكلف بان يقال محصل قوله (ع) ولا يكون بين الجماعتين أقل من ثلاثة أميال يرجع إلى أنه لا يتحقق بين جماعتين صحيحتين في الجمعة أقل من هذا المقدار وحمل الخبر على ظاهره من معنى النفي أولي من حمله على النهى وعلى هذا يلزم بطلان الجمعتين إذا كان بينهما أقل من هذا المقدار مطلقا بمقتضى الخبر وعلى هذا لا يبعد ثبوت الاقران بشاهدين عدلين إذ كانا في مكان يسمعان التكبيرين كما صرح به بعض المتأخرين ولا حاجة إلى اعتبار الامامين في تساوي الاذن من الامام على ما سبق تحقيقه والا اللاحقة لسبق انعقاد الأولى واستجماعها لشرائط الصحة فان مخالفة الوحدة الواجبة انما نشأت من الفرقة اللاحقة وقال في التذكرة ان صحة السابقة وبطلان اللاحقة مذهب علمائنا أجمع وحينئذ يجب على اللاحقة إعادة الظهر ان لم يدرك الجمعة مع الفرقة الأولى أو التباعد بما يصح معه التعدد اعتبر الشارح الفاضل في صحة السابقة عدم علم كل من الفريقين بصلاة الأخرى والا لم يصح صلاة كل منهما للنهي عن الانفراد بالصلاة عن الأخرى المقتضي للفساد ولقائل ان يمنع تعلق النهى بالسابقة فان النهى انما وقع عن التعدد وهو غير حاصل من السابقة فان الشئ انما يستند إلى العلة المستقلة أو الجزء الأخير منها الذي لا ينفك المعلول عنه وليست السابقة كذلك نعم يمكن ان يعتبر في صحة السابقة العلم بالسبق أو الظن عند تعذر العلم بان يعلم أو يظن انتفاء جمعة أخرى مقارنه لها أو سابقة عليها إذ مع احتمال السبق وعدمه لا يحصل العلم بامتثال التكليف لا يقال هذا مبني على أن النهى عن الشئ هل يقتضي الاجتناب عما يشك في كونه فردا له أم لا وعلى الأول صح اعتبار العلم أو الظن المذكور لان النهى انما وقع عن الصلاة اللاحقة والمقارنة فيجب التحرز عما جاز فيه أحد الامرين وعلى الثاني يكفي في صحة الصلاة عدم العلم بكونها لاحقة أو مقارنة مع أن الراجح الأخيرة لأنا نقول المستند في اعتبار العلم أو الظن المذكور حصول الامر بجمعة لا تكون مقارنة أو لاحقة فإنه إذا ورد الامر بالجمعة ثم ورد النهي عن الجمعة المقارنة واللاحقة يلزم منه تخصيص الامر المذكور أولا بجمعة لا يكون مقارنة ولا لاحقة وامتثال هذا التكليف يستدعي العلم أو الظن بانتفاء الوصفين وليس المستند مجرد النهى عن الجمعة المقارنة واللاحقة حتى ينسحب فيه التفصيل المذكور تأمل فان فيه دقة والظاهر أن المستفاد من الاخبار
(٣١٢)