فاستبان لك اشعار ما بما ذكر من التخصيص على أن احتمال ارتكاب التأويل في الاخبار المعارضة لهما ليس بذلك البعيد فما نفينا عنه البعد من الحكم المذكور لا يخلو عن نوع تردد وان بلغ الانحراف حد اليمين واليسار وان لم يتجاوز عنه ولم يكن الانحراف بالبدن كله فإن لم يأت بشئ من أفعال الصلاة على هذه الحالة فالظاهر أنه غير مبطل للأصل السالم عن المعارض مضافا إلى ما مر في العمد اللهم الا ان يكون طويلا جدا فيحتمل القول بالبطلان حينئذ لكن لم يكن ذلك باعتبار الالتفات وان اتى بشئ من أفعال الصلاة على هذه الحالة فان أمكن تداركه فالظاهر أنه غير قادح في الصحة مع احتماله وان لم يمكن تداركه كما إذا كان ركنا فالظاهر أنه مبطل لاشتراط صحة الصلاة بالتوجه إلى القبلة بجميع البدن فيجب الإعادة أو القضاء ويحتمل عدم وجوب القضاء وان لم يبلغ الانحراف حد اليمين أو اليسار سواء كان بالبدن كله أم لا فالظاهر أنه ليس عليه شئ لصحيحة معاوية بن عمار المذكورة في مبحث القبلة عند شرح قول المصنف ولا يعيد إن كان بينهما ولو ظن الخروج من الصلاة فانحرف عامدا فالظاهر أنه بحكم الانحراف عامدا في التفاصيل المذكورة فيه ويخدشه رواية أبي سعيد القماط المذكورة عند شرح قول المصنف ويبطل بفعل كل ما يبطل الطهارة واما المكره فالكلام في الحاقه بالعامد المختار كما مر في المسألة المتقدمة من غير فرق وان أردت تفصيل هذه المسألة فاعلم أن الانحراف عن سمت القبلة انما يكون إلى سبع جهات اليمين واليسار وما بين كل واحد منهما والقبلة ودبر القبلة وما بين كل واحد من الجانبين والدبر وعلى كل تقدير فاما ان يكون الانحراف بكل البدن أم بالوجه خاصة فصار الاحتمالات أربعة عشر وعلى كل تقدير إما ان يكون عامدا أو ساهيا أو ظانا الخروج من الصلاة أو مكرها فصار الاحتمالات ستا وخمسين وعلى كل تقدير إما ان يكون الالتفات طويلا أو قصيرا فصارت الاحتمالات (مائة واثنى عشر وعلى كل تقدير إما لم يفعل شيئا من الصلاة في تلك الحالة أو فعل ما يمكن تداركه لو فعل مالا يمكن تداركه فصارت الاحتمالات ثلاثمائة وست وثلاثين وعلى كل تقدير إما ان يذكر في الوقت أو خارجه فصارت الاحتمالات ست مائة واثنى وسبعين وأنت جد الإحاطة بما ذكرنا لا يخفى عليك حكم شئ منها فتدبر وكن من المحتاطين في جميع الأحوال فإنه اقصد الطرق واسلم في المال ويبطل الصلاة أيضا بتعمد القهقهة بلا خلاف ونقل الاتفاق عليه جماعة من الأصحاب منهم الفاضلان ويدل عليه الأخبار المستفيضة منها ما رواه الشيخ عن ابن أبي عمير في الصحيح على الظاهر عن رهط سمعوه يقول إن التبسم في الصلاة لا ينقض الصلاة ولا ينقض الوضوء انما يقطع الضحك الذي فيه القهقهة يريد به قطع الصلاة دون الوضوء لان القطع انما يستعمل في الصلاة ولم تجر العادة باستعماله في الوضوء ومنها ما رواه الكليني والشيخ في الحسن بإبراهيم بن هاشم عن زرارة عن أبي عبد الله (ع) قال القهقهة لا تنقض الوضوء ولكن تنقض الصلاة ومنها ما رواه الشيخان عن سماعة قال سألته عن الضحك هل يقطع الصلاة قال إما التبسم فلا يقطع الصلاة واما القهقهة فهي تقطع الصلاة ونحوه روى الكليني عن زرعة وقريب منه روى الصدوق مرسلا عن الصادق (ع) ويستفاد من هذه الرواية ان التبسم لا يقطع الصلاة وهو اتفاقي نقل الاتفاق عليه جماعة من الأصحاب ويستفاد من الرواية انه من افراد الضحك ويوافقه كلام صاحب القاموس حيث قال فيه هو أقل الضحك وأحسنه وفي الصحاح انه دون الضحك واعلم أن المذكورة في كلام الأصحاب لفظ القهقهة وفي القاموس هي الترجيع في الضحك أو شدة الضحك وفي الصحاح القهقهة في الضحك معروف وهو أن يقول قه فه وقال الشارح الفاضل هي لغة الترجيح في الضحك أو شدة الضحك (والمراد هنا مطلق الضحك) كما صرح به المصنف في غير هذا الكتاب وقال في الروضة هي الضحك المشتمل على الصوت وان لم يكن فيه ترجيع ولا شدة وفيه تأمل إذ لا يساعد على ما ذكره العرف ولا اللغة ولا خصوص النص إذ ليس فيه سوى القهقهة ولعله نظر إلى ايراد الفقهاء التبسم في مقابلة القهقهة ومجرد ذلك غير كاف وما نقله عن المصنف لم اطلع عليه صريحا ولعله نظر إلى عبارة المنتهى حيث قال فيه يجب عليه ترك الضحك في الصلاة لا التبسم فلو قهقه عمدا بطلت صلاته ولا يبعد ان يكون مراد المصنف من الضحك القهقهة وقوفا على المنصوص وبالجملة الذي ثبت بالنصوص القهقهة واما انسحاب الحكم في كل ضحك يكون فيه صوت فيحتاج إلى دليل مع أن الأصل ينفيه والنصوص تشمل السهو أيضا لكن نقل المصنف في التذكرة والشهيد في الذكرى والشارح الفاضل الاجماع على عدم الأبطال به ولو وقعت على وجه لا يمكن دفعه لمقابلة ملاعب ونحوه فاستقرب الشهيد في الذكرى البطلان وان لم يأثم لعموم الخبر وهو متجه بل يظهر من التذكرة انه متفق عليه بين أصحابنا وتبطل الصلاة أيضا بتعمد الفعل الكثير الذي ليس من الصلاة لا خلاف بين العلماء في أن الفعل الكثير الخارج من الصلاة مما لم يكن من جنس الصلاة عامدا مبطل حكى ذلك الفاضلان وغيرهما قال المصنف في المنتهى ويجب عليه ترك الفعل الكثير الخارج عن أفعال الصلاة فلو فعله عامدا بطلت صلاته وهو قول أهل العلم كافة لأنه يخرج به عن كونه مصليا والقليل لا يبطل الصلاة بالاجماع قال ولم يحد الشارع القلة والكثرة فالمرجع في ذلك إلى العادة وكل ما ثبت ان النبي صلى الله عليه وآله والأئمة (ع) فعلوه في الصلاة أو أمروا به فهو من حيز القليل كقتل البرغوث والحية والعقرب وكما روى الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله انه كان يحمل امامة بنت أبي العاص فكان إذا سجد وضعها وإذا قام رفعها انتهى واعلم أن للأصحاب في تحديده عبارات منها ما سمى كثيرا عرفا ذكره المصنف وغيره ومنها ما يخرج فاعله به عن كونه مصليا عرفا ذكره الشارح الفاضل قال ابن إدريس في السرائر وهو ما يسمى في العادة كثير مثل الأكل والشرب واللبس وغير ذلك مما إذا فعله الانسان لا يسمى مصليا بل يسمى آكلا وشاربا ولا يسمى فاعله في العادة مصليا وقال المصنف في التذكرة اختلف العلماء في حد الكثرة فالذي عول عليه علماؤنا البناء على العادة فما يسمى في العادة كثيرا فهو كبر والا فلا لان عادة الشرع رد الناس فيما لم ينص عليه إلى عرفهم وبه قال بعض الشافعية وقال بعضهم القليل مالا يسع زمانه لفعل ركعة من الصلاة والكثير ما يسع وقال بعضهم ما لا يحتاج إلى فعل (اتيدين) معا كرفع العمامة وحل الأزرار فهو قليل وما يحتاج إليهما معا كتكرير (كتكوير) العمامة وعقد السراويل فهو كثير وقال بعضهم القليل مالا يظن الناظر إلى فاعله انه ليس في الصلاة والكثير ما يظن به الناظر إلى فاعله الاعراض عن الصلاة انتهى وما ذكره من التعليل على إحالة الحكم بالعرف فهو متجه إن كان مستند أصل الحكم النص وليس كذلك فاني لم اطلع على نص يتضمن ان الفعل الكثير مبطل ولاذكر نص في هذا الباب في شئ من كتب الاستدلال فاذن مستند الحكم هو الاجماع فيجب إناطة الحكم بمورد الاتفاق فكل فعل ثبت الاتفاق على كونه فعلا كثيرا كان مبطلا ومتى ثبت انه ليس بكثير فهو ليس بمبطل ومتى اشتبه الامر فلا يبعد القول بعدم كونه مبطلا لان اشتراط الصحة بتركه يحتاج إلى دليل بناء علي ان الصلاة اسم للأركان المعينة مطلقا فيكون هذه الأمور خارجة عن حقيقتها ويحتمل القول بالبطلان ووجوب الإعادة لتوقف البراءة اليقينية من التكليف الثابت عليه وهذا مبني على أن الصلاة اسم للأركان الجامعة لشرائط الصحة ويؤيد الأول ما دل على حصر أسباب الإعادة في أشياء محصورة وإن كان الاستدلال بهذا الوجه لا يصفو عن شوب الاشكال وذكر المصنف ان الخطوة الواحدة والضربة قليل والثلاثة كثيرة وفي الفعلين للشافعية وجهان أحدهما انه كثير لتكرره والأصح خلافه لان النبي صلى الله عليه وآله خلع نعليه في الصلاة وهما فعلان وفي كون الثلاثة كثيرة مبطلة تأمل وذكر أيضا ان الثلاثة المبطلة يراد بها الخطوات المتباعدة إما الحركات الخفية كتحريك الأصابع في سبحة أو حكة فالأقرب منع الأبطال بها فهي مع الكثرة بمثابة الفعل القليل ويحتمل الأبطال للكثرة ولعل هذا الاحتمال ضعيف وقال في المنتهى لا باس ان يعد الرجل عدد ركعاته بأصابعه أو بشئ يكون معه من الحصى وشبهه وعليه علماؤنا أجمع بشرط ان لا يتلفظ بل يعقده في ضميره وليس مكروها وبه قال أهل العلم كافة الا أبا حنيفة فإنه كرهه وكذلك الشافعي انتهى ويدل عليه ما رواه ابن بابويه عن عبد الله بن المغيرة في الصحيح أنه قال لا باس ان يعد الرجل صلاته بخاتمة أو بحصى يأخذه بيده فيعد به وعن عبد الله بن أبي يعفور عن أبي عبد الله (ع) قال استغفر الله في الوتر سبعين مرة وتنصب يدك اليسرى ويعد باليمنى وروى الشيخ عن حبيب الخثعمي قال شكوت إلى أبي عبد الله (ع) كثرة السهو في الصلاة فقال احص صلاتك بالحصى أو قال احفظها بالحصى وفي بعض الأخبار انه كان (ع) يعد التسبيح بالإصبع ويحركه قليلا واحتج في الذكرى ان النبي صلى الله عليه وآله علم جعفر صلاة التسبيح وهي محتاجة إلى العدد وروى البزنطي عن داود بن سرحان
(٣٥٥)