من الله في ذلك فلما أصبح وحضر وقت صلاة الظهر كان في مسجد بني سالم قد صلى من الظهر ركعتين فنزل جبرئيل فاخذ بعضده فحوله إلى الكعبة وانزل عليه قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضيها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره وكان قد صلى ركعتين إلى بيت المقدس وركعتين إلى الكعبة وفي الفقيه نحو منه الا أنه قال صلى بالمدينة تسعة عشر شهرا وزاد انه بلغ الخبر مسجدا بالمدينة وقد صلى أهله من العصر ركعتين فحولوا نحو القبلة فكانت أول صلاتهم إلى البيت المقدس واخرها إلى الكعبة فسمى ذلك المسجد مسجد القبيلتين (القبلتين) وما رواه الشيخ في الموثق عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله قال قلت له متى صرف رسول الله إلى الكعبة قال بعد رجوعه من بدر وليس في طريق هذه الرواية من يتوقف في شانه الا الطاطري إذ هو واقفي لكنه ثقة والظاهر أن هذه الرواية منقولة من كتاب القبلة له و قد نص الشيخ في الفهرست على أن الطاطري روى كتبه عن الرجال الموثوق بهم وبروايتهم وفي طريق هذه الرواية وهب وهو مشترك بين الثقة والمجهول لكن رواية الطاطري عنه يرجح كونه الثقة للوجه الذي أشرنا وعن أبي بصير عن أحدهما قال إن بني عبد الأشهل اتوهم وهم في الصلاة قد صلوا ركعتين إلى بيت المقدس فقيل لهم ان نبيكم قد صرف إلى الكعبة فتحول النساء مكان الرجال والرجال مكان النساء وجعلوا الركعتين الباقيتين إلى الكعبة فصلوا صلاة واحدة إلى القبلتين فلذلك سمى مسجدهم مسجد القبلتين وما رواه الكليني في الحسن لإبراهيم بن هاشم عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال سئلته هل كان رسول الله يصلي إلى بيت المقدس قال نعم فقلت أكان يجعل الكعبة خلف ظهره فقال إما إذا كان بمكة فلا وأما إذا هاجر إلى المدينة فنعم حتى حول إلى الكعبة احتج الشيخ رحمه الله باجماع الفرقة وبما رواه عن عبد الله بن محمد الحجال عن بعض رجاله عن أبي عبد الله عليه السلام ان الله جعل الكعبة قبلة لأهل المسجد وجعل المسجد قبلة لأهل الحرم وجعل الحرم قبلة لأهل الدنيا ومثله روى أبو الوليد الجعفي عن أبي عبد الله عليه السلام ومثله روى ابن بابويه في كتاب علل الشرايع باسناد لا يخلو عن قوة عن أبي عبد الله عليه السلام وبان المحذور في استقبال عين الكعبة لازم لمن أوجب استقبال جهتها لان لكل مصل جهة والكعبة لا تكون في الجهات كلها ولا كذلك التوجه إلى الحرم لأنه طويل يمكن ان يكون كل واحد متوجها إلى جزء منه وفي أدلة الطرفين نظر إما الأول فلعدم صحة الروايات مع معارضتها بالاخبار الأخيرة المعتضدة بالشهرة وبما رواه الكليني عن علي بن محمد رفعه قال قيل لأبي عبد الله عليه السلام لم صار الرجل ينحرف في الصلاة إلى اليسار فقال لان الكعبة ستة حدود أربعة منها على يسارك واثنان منها على يمينك فمن أجل ذلك وقع التحريف على اليسار ونقله الشيخ في التهذيب وزاد عليه وسئل المفضل بن عمر أبا عبد الله عليه السلام عن التحريف لأصحابنا ذات اليسار عن القبلة وعن السبب فيه فقال إن الحجر الأسود لما انزل به من الجنة ووضع في موضعه جعل انصاب الحرم من حيث يلحقه النور نور الحجر فهي عن يمين الكعبة أربعة أميال وعن يسارها ثمانية كله اثنا عشر ميلا فإذا انحرف الانسان ذات اليمين خرج عن حد القبلة لقلة انصاب الحرم وإذا انحرف ذات اليسار لم يكن خارجا عن حد القبلة ورواه ابن بابويه في كتاب علل الشرايع مسندا عن المفضل باسناد ضعيف ويمكن حمل الأخبار الدالة على المسامحة في التأدية من حيث إن الكعبة أشرف اجزاء الحرم وأعظمها والمنظور إليه وهي المفخر والمطاف والمزار ويعين على هذا كون الكعبة قبلة عند جمهور العامة فلعله تسامح في التأدية لئلا يخالف ظاهر الكلام مذهب جمهور العامة فإنه أقرب إلى الاحتياط والتقية واما الاخبار فلمنع ثبوت الاجماع في محل النزاع واما الروايتان فسندها ضعيف جدا وحملها الشهيد في الذكرى على أن المراد بالمسجد والحرم جهتهما وانما ذكرهما على سبيل التقريب إلى افهام المكلفين اظهارا لسعة الجهة وقوله إن المحذور يلزم في ايجاب استقبال الجهة كما يلزم في عين الكعبة ممنوع لأنا نعني بالجهة السمت الذي اقتضت التوجه إليه رعاية الأمارات الشرعية لا نفس البينة وذلك من الامتناع بمكان على أن الالزام في الكعبة لازم في الحرم وإن كان طويلا وتحقيق المقام ان الاخبار من الطرفين متعارضة فيمكن ترجيح الاخبار الأولة لقوة أسانيدها بالنسبة إلى الأخبار الكثيرة ويمكن ترجيح الأخبار الأخيرة لاعتضادها بالشهرة ومخالفة العامة وكون التأويل فيها أبعد والآية غير دالة على أحد المذهبين لان ظاهرهما من اعتبار جهة المسجد مطلقا غير مطابق لشئ منهما فيحمل على أن المراد بالمسجد الكعبة لكونها مسجدا والحرام صفة له كما في قوله تعالى البيت الحرام أو تسميته للجزء باسم الكل لان عنوان المسجد أحق برعاية التعظيم وأنسب باستحقاق التكريم من عنوان البيت وحينئذ يطابق القول الأول أو يحمل على أن المراد بالمسجد الحرم تسمية للكل باسم أشرف اجزائه اشعارا بالتعظيم أو لمشاركته مع المسجد في وجوب الاحترام ولكونه مسجدا في الحقيقة كما نقل ذلك عن ابن عباس وعن عطار منه في قوله تعالى فلا يقربوا المسجد الحرام ان المراد بالمسجد الحرام الحرم وعن ابن عباس ان المراد بالمسجد هنا الحرم وقيل ذلك في قوله تعالى سبحان الذي اسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام لاحاطته بالمسجد وشدة البناء به وحينئذ يطابق القول الثاني والترجيح الواضح لا يخلو عن اشكال فاذن ظهر من هذه الجملة ان المسألة محل تردد ومقتضى التردد العمل بالقول الأول تحصيلا للبراءة اليقينية من التكليف الثابت ولا خفاء في بطلان القول الثاني ان قصد القائلون به ففي اعتبار الجهة و حيث اتفق الفريقان جميعا على أن فرض النائي التعويل على الامارات ارتفعت ثمرة الخلاف بالنسبة إليهم ثم الظاهر من مذهب الأصحاب وغيرهم ان فرض القريب استقبال العين واحتج عليه في المعتبر باجماع العلماء كافة على ذلك وان لم يثبت الاجماع المذكور كان للمنازعة في الحكم المذكور طريق فان مقتضى الآية الشريفة وجواب استقبال شطر المسجد والشطر في اللغة الجانب والجهة والناحية من البين ان تحصيله أهون مؤنة من تحصيل مقابلة العين ثم لا يخفى ان المعتبر بالنسبة إلى البعيد اعتبار الجهة ويدل عليه الآية وما رواه المصنف في الصحيح عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال لا صلاة الا إلى القبلة قال له أين حد القبلة قال ما بين المشرق والمغرب قبلة كله وفي الصحيح عن معاوية بن عمار انه سئل عن الصادق عليه السلام عن الرجل يقوم في الصلاة ثم ينظر بعد ما فرغ فيرى انه قد انحرف عن القبلة يمينا أو شمالا فقال قد مضت صلاته وما بين المشرق والمغرب قبلة وما رواها الشيخ باسناد حسن وللأصحاب اختلاف كثير في تعريف الجهة ولا يكاد يوجد تعريف يسلم عن الخلل لكن هذا الاختلاف قليل الفائدة في أمر الدين بعد اتفاق الكل على أن فرض البعيد رعاية العلامات المقررة والتوجه إلى السمت الذي عينه رعاية تلك العلامات فالأولى إناطة تعريفها بذلك والمستفاد من الأدلة الشرعية ان أمر القبلة هين مسامح سهل الخطب فيه وانه يكفي فيه التوجه إلى ما يصدق عليه عرفا انه جهة المسجد وناحيته والذي يدل على ذلك الآية وقول أبي جعفر والصادق عليه السلام ما بين المشرق والمغرب قبلة و قوله عليه السلام ضع الجدي على قفاك وصل فان بناء الامر على هذه العلامة التي تختلف بحسب اختلاف المواضع اختلافا فاحشا فيه من التوسعة ما لا يخفى وخلو الاخبار عما زاد على ذلك وكذا كتب الأقدمين مع شدة الاحتياج وتوفر الدواعي على النقل والمعرفة وعموم اشفاقهم بالنسبة إلى شيعتهم مما يؤيد ذلك والظاهر أنه يجب الاستعانة بعلم الهيئة وتعلم مسائله لأنه علم دقيق مسائلها مبنية على مقدمات دقيقه يحتاج تحصيلها إلى زمان طويل وتحمل اتعاب بالغ والتكليف بذلك لجمهور الناس مخالف لما يعلم من قوانين الشرع مباين للشريعة السهلة السمحة ولو كان ذلك واجبا لكان الظاهر منه ان يكون في طريق الأصحاب خبرا ويجئ به اثر فلما لم يكن في الاخبار ولا عمل المتقدمين علمنا انتفاؤه مع أن غاية ما يحصل منه بعد بذل تمام السعي التخمين لا العلم واليقين الثاني جهة القبلة هي الكعبة لا البنية
(٢١٤)