يونس السالفة فلا ينافي الخبرين الأولين من وجهين أحدهما انه لا يجب على الحاكم التفتيش عن بواطن الناس وانما يجوز لهم ان يقبل شهادتهم إذا كانوا على ظاهر الاسلام والإمامة وإذ لا يعرفهم بما يقدح فيهم ويوجب تفسيقهم ومتى تكلف التفتيش عن أحوالهم يحتاج إلى أن يعلم أن جميع الصفات المذكورة في الخبر الأول منتفية عنهم لان جميعها موجب التفسيق والتضليل ويقدح في قبول الشهادة والوجه الثاني ان يكون المقصود بالصفات المذكورة في الخبر الأول الاخبار عن كونها قادحة في الشهادة وان لم يلزم التفتيش عنها والمسألة والبحث عن حصولها وانتفاءها ويكون الفائدة في ذكرها انه ينبغي قبول شهادة من كان ظاهره الاسلام ولا يعرف فيه شئ من هذه الأشياء فإنه متى عرف فيه أحد هذه الأوصاف المذكورة فإنه يقدح ذلك في شهادته ويمنع من قبولها هذا ما حضرني في تحقيق هذه المسألة وانما أطنبنا الكلام فيها هيهنا وإن كان تحقيقها انسب بباب الشهادات لكونها من المسائل المهمة التي وقع الاحتياج الشديد إليها ومما يشترط في النائب طهارة المولد وهو ان لا يعلم كونه ولد زنا واشتراط ذلك مذهب الأصحاب لا نعلم فيه مخالفا وقد مر في المسألة السابقة خبران دالان عليه والظاهر أنه لأمنع فيمن يناله الألسن ولا ولد الشبهة ولا من جهل أبوه وربما يقال بكونه مكروها لنفرة النفس منهم الموجبة لعدم كمال الاقبال على العبادة والذكورة لان صلاة الجمعة لا ينعقد بالمراة وقال المصنف في التذكرة انه يشترط في امامة الرجال الذكورة عند علمائنا أجمع وبه قال عامة العلماء ويعضده الشك في حصول البراءة من التكليف الثابت عنده وفي العبد والأبرص والأجذم والأعمى إما العبد فاختلف الأصحاب في إمامته فقال الشيخ في الخلاف وابن الجنيد وابن إدريس انها جائزة وقال الشيخ في النهاية والمبسوط لا يجوز ان يام الأحرار ويجوز ان يام مواليه إذا كان اقراءهم وأطلق ابن حمزة (قولان) العبد لا يؤم الحر واختاره العلامة في النهاية وقال ابن بابويه في المقنع لا يؤم العبد الا أهله والأول أقرب للأصل والعمومات وما رواه الشيخ عن محمد بن مسلم في الصحيح عن أحدهما (ع) انه سئل عن العبد يام القوم إذا رضوا به وكان أكثرهم قرانا قال لا باس به وعن محمد بن مسلم في الصحيح قال سألت أبا عبد الله (ع) عن العبد يام القوم إذا رضوا به وكان أكثرهم قرانا قال لا باس به وفي الموثق عن سماعة قال سألته عن المملوك يام الناس فقال لا الا ان يكون هو أفقههم وأعلمهم احتج المصنف في النهاية على أن العبد لا يؤم الحر بأنه ناقص فلا يليق بهذا المنصب الجليل واحتج ابن بابويه بما رواه السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي عليه السلام قال لا يؤم العبد الا أهله اوردها الشيخ وهي رواية ضعيفة فلا يصلح لمعارضته ما ذكرنا واما الأبرص والجذم فاختلف الأصحاب في جواز امامتها فقال الشيخ في النهاية والخلاف بالمنع من ذلك مطلقا وقال المرتضى في الانتصار وابن حمزة بالكراهة وقال الشيخ في المبسوط وابن البراج وابن زهرة بالمنع من امامتها الا لمثلهما وقال ابن إدريس يكره إمامتهما في ما عدا الجمعة والعيد إما فيهما فلا يجوز ومما يوافق المنع الخبر ان السابقان في أوايل مبحث العدالة وما رواه الكليني والشيخ عن أبي بصير في الصحيح عن أبي عبد الله (ع) أنه قال خمسة لا يأمون الناس على كل حال المجذوم والأبرص والمجنون وولد الزنا والأعرابي ومما يوافق القول بالجواز ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن يزيد قال سألت أبا عبد الله (ع) عن المجذوم والأبرص يؤمان المسلمين قال نعم قلت يبتلى الله بهما المؤمنون قال نعم وهل كتب الله البلاء الا على المؤن وراوي هذه الرواية غير موثق في كتب الرجال وأولها الشيخ في التهذيب بحملها على الضرورة بان لا يوجد غيرهما أو ان يكونا امامين لأمثالهم وفيه بعد واضح ويمكن الجمع بين الاخبار بحمل الاخبار الأول على المعنى الشامل للكراهة لو صلح الخبر الأخير لمعارضة اخبار المنع ولا يلزم استعمال المشترك في معنييه كما زعمه الشهيد (ره) استنادا إلى أن النهى في ولد الزنا والمجنون محمول على المنع من النقيض ولقائل أن يقول دلالة اخبار المنع على عدم جواز المنع غير واضحة لان مع مقتضى الأصل والعمومات الجواز والمسألة عندي محل تردد واما الأعمى فاختلف الأصحاب في جواز إمامته والمشهور الجواز بل قال المصنف في المنتهى في باب الجماعة ولا باس بإقامة الأعمى إذا كان من ورائه من يسدده ويوجهه إلى القبلة وهو مذهب أهل العلم لا نعلم فيه خلافا الا ما نقل عن انس وقال في باب الجماعة من التذكرة لا خلاف بين العلماء في جواز إمامة الأعمى لمثله وللمبصر ونسب جواز إمامة الأعمى في المنتهى في باب الجمعة إلى أكثر أهل العلم ونسب في التذكرة في باب الجمعة اشتراط السلامة من العمى إلى أكثر علمائنا وبه افتى في النهاية والأقرب الجواز لنا مضافا إلى اطلاقات الأدلة ما رواه الشيخ عن الحلبي في الصحيح عن أبي عبد الله (ع) قال لا باس بان يصلى الأعمى بالقوم وان كانوا هم الذين يوجهونه وما رواه الشيخ عن الحلبي في الحسن بإبراهيم بن هاشم عن أبي عبد الله في الأعمى يام القوم وهو على غير القبلة قال يعيد ولا يعيدون فإنهم قد تحروا وفي بعض الأخبار الضعيفة ولأيام الأعمى في الصحراء الا ان يوجه إلى القبلة ورواها الكليني والشيخ عن زرارة في الحسن بإبراهيم بن هاشم قال قلت اصلى خلف الأعمى قال نعم إذا كان له من يسدده وكان أفضلهم وقد سبق في المباحث السابقة صحيحة محمد بن مسلم الدالة على أن أبا بصير أمهم في طريق مكة وانه نقله إلى الصادق (ع) ولم ينكره ففيه دلالة على المدعا احتج المصنف في التذكرة على المنع بان الأعمى لا يتمكن من الاحتراز عن النجاسات غالبا وبأنه ناقص فلا يليق بهذا المنصب الجليل وفيهما ضعف وفي استحبابها اي صلاة الجمعة حال الغيبة وامكان الاجتماع قولان اختلف الأصحاب في صلاة الجمعة في حال غيبة الامام على أقوال فالمشهور بين المتأخرين منهم انه واجبة تخييرا بمعنى ان المكلف مخير بين ايقاع الصلاة ظهرا وبين ايقاعها جمعة مع أن الأفضل الجمعة وذهب سلار وابن إدريس إلى تحريمها في زمان الغيبة وهو ظاهر المرتضى ومال إليه المصنف في المنتهى وفي موضع من التحرير والشهيد في الذكرى ونسب الشهيد في البيان هذا القول إلى أبي الصلاح أيضا مع أنه نسب إليه في شرح الارشاد القول بالاستحباب وحكم الشارح الفاضل في بعض رسائله بخطأ النسبتين وان المستفاد من كلام أبي الصلاح القول بالوجوب العيني ونسب الشيخ فخر الدين والشيخ علي القول بالتحريم إلى الشيخ في الخلاف وهو خطأ وذهب المدقق الشيخ علي إلى أن صحة صلاة الجمعة في زمان الغيبة مشروطة بوجود الفقيه الجامع لشرائط الاقتداء وزعم أن هذا مذهب جمهور القائلين بجوازها في زمان الغيبة وربما يتوهم ذلك من بعض عبارات المصنف والشهيد والظاهر أنه قول مستحدث مختص بالمدقق الشيخ علي كما سيتحقق واما الوجوب العيني في زمان الغيبة فالمشهور بين علمائنا المتأخرين القول بانتفائه بل نقل المصنف في التذكرة وبه اطباق علمائنا على ذلك ونقل الاجماع عليه المدقق الشيخ علي وقال الشهيد في الذكرى ان عمل الطائفة على عدم الوجوب العيني في سائر الأعصار والامصار وظاهر كلام المحقق أيضا ان ذلك اتفاقي حيث قال السلطان (الامام) أو نائبه شرط في وجوب الجمعة وهو قول علمائنا لكن الظاهر أن ذلك ليس باتفاقي بين الأصحاب بل كثير من عبارات المتقدمين واضحة الدلالة على خلافه قال الشيخ المفيد في كتاب الاشراف بان عدد ما يجب به الاجتماع في صلاة الجمعة عدد ذلك ثمانية عشر خصلة الحرية والبلوغ والتذكير وسلامة العقل وصحة الجسم والسلامة من الأعمى وحضور المصر والشهادة للنداء وتخلية السرب ووجود أربعة نفر مما تقدم ذكره من هذه الصفات ووجود خامس يأمهم له صفات يختص بها على الايجاب ظاهر الايمان والطهارة في المولد من السفاح والسلامة من ثلاثة أدواء البرص والجذام والمعرة بالحدود المشينة لمن أقيمت عليه في الاسلام والمعرفة بفقه الصلاة والافصاح بالخطبة والقرآن وإقامة فرض الصلاة في وقتها من غير تقديم ولا تأخير عنه بحال والخطبة بما يصدق فيه من الكلام فإذا اجتمعت هذه الثماني عشرة خصلة وجب الاجتماع في الظهر يوم الجمعة على ما ذكرناه وكان فرضها على النصف من فرض الظهر للحاضر في سائر الأيام وقال في المقنعة واعلم أن الرواية جاءت عن الصادقين (ع) ان الله جل جلاله فرض على عباده من الجمعة خمسا وثلثين صلاة لم يقرض فيها الاجتماع الا في صلاة الجمعة خاصة فقال جل من قائل يا أيها الذين امنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم ان كنتم تعلمون وقال الصادق (ع) من ترك الجمعة ثلثا من غير علة طبع الله على قلبه فغرضها وقفك الله الاجتماع على ما قدمناه الا انه بشريطة حضور امام مأمور على (صفات) يتقدم الجماعة ويخطب بهم خطبتين يسقط بهما وبالاجتماع على المجتمعين في الأربع ركعات ركعتان وإذا حظر الامام وجب الجمعة على سائر المكلفين الا من عذره الله تعالى منهم وان لم يحظر قام سقط فرض الاجتماع وان حضر امام يخل بشريطة من يتقدم فيصلح به الاجتماع فحكم حضوره حكم عدم الامام والشرايط التي تجب فيمن يجب معه الاجتماع ان يكون حرا بالغا طاهرا في ولادته مجنبا من الأمراض الجذام والبرص خاصة في خلقته سلما مؤمنا معتقدا للحق باسره في ديانته مصليا للفرض في ساعته فإذا كان كذلك واجتمع
(٣٠٧)