عن النبي والأئمة عليهم السلام كثيرة دالة على ايجابها والحث عليها ويؤيده قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم ان كنتم تعلمون وجه التأييد ما نقل من اجماع المفسرين على أن المراد من الذكر المأمور بالسعي إليه في الآية صلاة الجمعة أو خطبتها فكل من يتناوله اسم الايمان مأمور بالسعي إليها والامر للوجوب فالمستفاد من الآية وجوب السعي لصلاة الجمعة عند حصول النداء للصلاة المطلقة كما هو الغالب الشايع تحققه عند الزوال ومتى ثبت السعي عند تحقق الندا وجب مطلقا وان لم يتحقق النداء للاتفاق على أن وجوب السعي ليس مشروطا بحصول النداء فالتعليق بالشرط المذكور في الآية منزل على الغالب في بلاد المسلمين من تحقق النداء عند الزوال وكانه كنى به عن الزوال وفائدته التأكيد في الاذان ولهذا اتى بلفظة إذا الدالة على تحقق الوقوع وفي الآية ضروب من التأكيد لا يخفى على الماهر في صناعة المعاني وما يتوهم من أن الامر أعم من الايجاب العيني والتخييري ولا دلالة للعام على الخاص فكلام ضعيف لان الامر بالسعي يقتضي استحقاق الذم سند عدم الاتيان بالمأمور به على الخصوص كما هو مقتضى الأدلة الدالة على أن الامر للايجاب وهذا معنى الايجاب العيني فلا وجه لهذا التوهم وانما جعلنا الآية من المؤيدات دون الدلائل إذ لقائل ان ينازع في دلالة الآية ويقول المشهور بين المحققين ان الخطابات القرآنية لا يشتمل غير الموجودين في زمن الخطاب وانما يعلم استواءهم للموجودين في زمن الخطاب في الحكم بدليل خارج من الاجماع وغيره وعلى هذا فيجوز ان يكون الايجاب بالنسبة إلى الموجودين في زمان الخطاب بناء على تحقق شرط الوجوب وهو الامام الصالح لامامة الجمعة ولا يلزم وجوبه بالنسبة إلى غير الموجودين ايجابا مطلقا سواء تحقق الشرط أم لا نعم صلاحيتها للتأييد غير منكر كما لا يخفى على المتدبر فان قلت هذه الأخبار وإن كان لها دلالة على وجوب صلاة الجمعة من غير تقييد ولافرق بين الأزمان الا ان الاجماع المنقول ينافيه والاجماع المنقول وان لم يكن حجة الا انه يوجب الشك في كون ظواهر الاخبار مرادا فلا يبقى الظن بإرادة العموم منها فلا يستقيم الاستدلال بها على العموم قلت لم يبق الوثوق بنقل الاجماع المذكور بعد مخالفته للعبارات المنقولة من جماعة من أفاضل المتقدمين ونقل الاجماع المذكور لم يتفق الا من المصنف والمدقق الشيخ علي والمصنف كثيرا ما يتسامح في أمثال هذه الأمور واما الشيخ علي فان عادته متابعة المصنف وغيره فلا تعويل على نقله الاجماع واما المحقق فليس كلامه بصريح في نقل الاجماع بل نسب الحكم المذكور سابقا إلى علمائنا ويجوز ان يكون مراده من العلماء المشاهير منهم ولعله نظر إلى ما يفهم من كلام الشيخ ومن تبعه في بادي النظر ولم يبالغ في التتبع فاتفق منه نسبه الحكم إلى علمائنا ووقوع المساهلة في بعض الأحيان ممن لم يكن معصوما غير عزيز والمصنف تبع المحقق كما هو عادته في أمثال هذه الأمور ثم تبعه الشيخ علي واما الشهيد فيظهر من كلامه ان الاجماع المذكور لم يثبت عنده كما يفهم من عبارته الآتية حيث نسب الاجماع إلى الفاضل من غير أن يحكم به ونقل القول بالوجوب العيني وبالجملة لا يحصل لي ظن بالاجماع المذكور بحيث يوجب رفع الظن بظواهر الأخبار الكثيرة العامة المشتملة على تأكيدات متعددة فان قلت ما مر من رواية زرارة وعبد الملك الدالتين على أنه (ع) أمرهما (وحثهما) على صلاة الجمعة غير دال على العموم لان هذا بمنزلة الاذن فلا يلزم وجوبها بدونه قلت إن المعبر عند القائل باشتراط الاذن كون امام الجمعة (الامام) أو من نصبه لذلك على الخصوص وليس في الخبرين ما يدل على أن الإمام (ع) نصب أحد هذين الرجلين إماما لصلاة الجمعة بل أمرهما بها أعم من كونهما امامين أو مأمومين وليس في الخبرين زيادة على الأوامر الواقعة في ساير الأخبار بالنسبة إلى ساير المكلفين فإن كان هذا كافيا في الاذن كان كل مكلف مأذونا فيها جامعا لما اعتبروه من الشرط فيرتفع ثمرة الخلاف وبالجملة أمرهما للرجلين ورد بطريق يشملهما وغيرهما من المكلفين كما لا يخفى على المتدبر في سياق الخبر فلا اختصاص للاذن بهما وقد يستدل على الوجوب الأعم بوجوه أخر منها استصحاب الحكم السابق فان وجوب الجمعة حال حضور الامام أو نائبه ثابت باجماع المسلمين فيستصحب إلى زمان الغيبة وان فقد الشرط المدعى إلى أن يحصل الدليل الناقل عن ذلك الحكم وهو منتف وفيه نظر لان ثبوت الحكم عند تحقق شرط مع احتمال مدخلية الشرط في ثبوت الحكم لا يستلزم تحققه عند انتفاء ذلك الشرط وبالجملة مثل هذا الاستصحاب مردود لا يصلح لإناطة الحكم به كما أشرنا إليه مرارا ومنها ان الأصل الجواز وأدلة التحريم غير تامة وإذا ثبت الجواز المطلق ثبت الوجوب بالمعنى الأعم من العيني والتخييري لان الإباحة والكراهة منتفيتان في العبادات اتفاقا وفيه نظر لأنا لا نسلم ان الأصل في العبادات الجواز بل الأصل فيها التحريم إلى أن يرد النقل الدال عليه احتج القائلون بالتحريم بوجوه الأول ان شرط انعقاد الجمعة الامام أو من نصبه لذلك (اجماعا) وفي حال الغيبة الشرط منتف فينتفي الانعقاد والاجماع المذكور نقله ابن زهرة وابن إدريس الثاني ان الظهر ثابتة في الذمة بيقين فلا يبرء المكلف الا بفعلها الثالث انه يلزم من عدم القول به الوجوب العيني لافضاء الأدلة إلى ذلك والمشرعون لها لا يقولون به والجواب عن الأول بمنع الاجماع في صورة النزاع بل القدر المسلم اشتراط الامام أو نائبه في زمان الحضور وعند التمكن من ذلك لا مطلقا مع امكان المنازعة فيه أيضا كما اتفق لبعض المتأخرين فان كلام كثير من القدماء خال عن اعتبار هذا الشرط وقد مر طرف منه إما اشتراطه في أصل المشروعية في زمان الغيبة فما لاوجه له أصلا وكيف يدعى الاجماع عليه مع مخالفة معظم الأصحاب فيه سلمنا اعتبار الاذن المطلق لكن نقول إنه حاصل من الأئمة الماضيين كما مر في الأخبار السابقة سلمنا لكن الفقهاء منصوبون من قبلهم (ع) وهم يباشرون في زمان الغيبة ما هو أعظم من ذلك كالحكم والافتاء وإقامة الحدود وغيرها وعن الثاني انا لا نسلم اشتغال الذمة بالظهر في يوم الجمعة (بل) لابد لذلك من دليل وعن الثالث انا لا نسلم افضاء جميع الأدلة إلى الوجوب العيني بل المستفاد من بعضها الرجحان المطلق الشامل للوجوب العيني والتخييري سلمنا لكن نحن نقول بمقتضاه كما هو مذهب جماعة من الأصحاب احتج المدقق الشيخ على ما اختاره من (اشتراط) الفقيه في صحة صلاة الجمعة بان اذن الامام معتبر فيها فمع حضوره يعتبر حضوره أو نائبه ومع عدمه يقوم الفقيه مقامه لأنه نائبه على العموم وجملة ما ذكره من الدليل على المقدمة الأولى أمور ثلثة الأول ان النبي صلى الله عليه وآله كان يعين لامامة الجمعة وكذا الخلفاء بعده كما يعين للقضاء وكما لا يصح ان ينصب الانسان نفسه قاضيا من دون اذن الامام فكذا لا يجوز ان ينصب نفسه لامامة الجمعة قالوا وليس هذا قياسا بل استدلالا بالعمل المستمر في الاعصار الثاني رواية محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) قال تجب الجمعة على سبعة نفر من المؤمنين ولا تجب على أقل منهم الامام وقاضيه ومدعيا حق وشاهدان والذي يضرب الحدود بين يدي الامام الثالث انه اجماعي على ما نقله جماعة من الأصحاب منهم المحقق والمصنف والشهيد في الذكرى والاجماع المنقول بخبر الواحد حجة فكيف بنقل هؤلاء الأعيان والجواب عن الأول بعد تسليم ما ادعاه من العمل المستمر منع دلالاته على الشرطية يجوز ان يكون ذلك حسما لمادة النزاع وتسهيلا للامر وكفاية لمؤنة الاختيار حتى يصلح الناس الاعتماد عليه بغير ريبة وتردد ولاستحقاقه عن بيت المال لسهم وافر من حيث قيامه بهذه الوظيفة العظيمة من وظائف الدين ولهذه العلة كانوا يعينون لامامة الصلوات والاذان وغيرهما من الأمور الدينية فلا يتوقف صحته على الاذن والتعيين اتفاقا ولم يزل الامر مستمرا في هذه الأمور في زمن أئمة العدل والجوز إلى زماننا هذا مع عدم احتمال الاشتراط في شئ منها وعن الثاني ان الخبر متروك الظاهر لان مقتضى ظاهره ان الجمعة لا تنعقد الا باجتماع الجماعة المذكورة في الخبر وهو خلاف الاجماع وأيضا ظاهره يقتضي عدم الاكتفاء بنائب الامام وهو خلاف الاجماع أيضا فيجب حمل الخبر على أن المراد من ذكر الجماعة المذكورة التمثيل لاشتراط اعتبارهم على الخصوص مع أن ضرورة الجمع بينه وبين الأخبار السابقة خصوصا رواية محمد بن مسلم راوي هذا الخبر يقتضي المصير إلى الحمل المذكور ومما يؤيده ما رواه الشيخ عن الحلبي في الصحيح عن أبي عبد الله (ع) أنه قال في صلاة العيدين إذا كان القوم خمسة أو سبعة فإنهم يجمعون الصلاة كما يصنعون يوم الجمعة الحديث وقد يجاب باستضعاف سند الرواية لان في طريقها الحكم بن مسكين وهو غير مصرح بالتوثيق في كتب الرجال وفيه
(٣٠٩)