ما ذهب إليه من عدم الوجوب بان المدفون خرج بدفنه عن أهل الدنيا فيساوي من فني في قبره ولأنه لو جازت الصلاة عليه بعد دفنه لصلي على الأنبياء في قبورهم والصلحاء وان تقادم العهد ويؤيد ذلك ما رواه عمار وتلا بعض الروايات المذكورة وما ذكره من التعليل الأول وجه استحساني ضعيف واما الثاني فيمكن الجواب عنه بما ذكره الشيخ في الخلاف من استلزامه الفتنة لما روى عنه (ع) لا تتخذوا قبوري وثنا يعبد لعن الله اليهود فإنهم اتخذوا قبور أنبياءهم مساجد أو لما روى عنه (ع) انا أكرم على ربي من أن يتركني في قبري أكثر من ثلاثة أيام مع أن ما ذكره من التعليل لا ينهض حجة على القائلين بالتحديد واما الروايات فقد مر الجواب عنها ويكره تكرار الصلاة على الجنازة اختلف الأصحاب في هذه المسألة فقال (في) المصنف في المختلف المشهور كراهة تكرار الصلاة على الميت وقال الشهيد في الذكرى ظاهرهم اختصاص الكراهة بمن صلى على الميت لما تلوناه عنهم من جواز الصلاة ممن فاتته على القبر ويريدون بالكراهة قبل الدفن حتى ينتظم الكلام وقيد ابن إدريس الكراهية بالصلاة جماعة لتكرار الصحابة الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله فرادى ويظهر من كلام الشيخ (في الخلاف) اختصاص الكراهية بالمصلي المتحد واحتمل الشيخ في الاستبصار استحباب التكرار من المصلي الواحد وغيره وللمصنف قول بكراهة تكرار الصلاة إذا خاف على الميت وله أيضا قول بكراهة التكرار عند الخوف عليه أو مع منافاة التعجيل وقيد الشارح الفاضل الكراهة بكون التكرار من المصلي الواحد ويكون منافيا للتعجيل والمسألة محل اشكال لاختلاف الاخبار فيدل على المنع ما رواه الشيخ عن وهب بن وهب في الضعيف عن جعفر عن أبيه (ع) ان رسول الله صلى الله عليه وآله صلى على جنازة فلما فرغ جاء ناس فقالوا يا رسول الله لم ندرك الصلاة عليها فقال لا تصلي على جنازة مرتين ولكن ادعوا له وعن إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله (ع) قال إن رسول الله صلى الله عليه وآله صلى على جنازة فلما فرغ جاء قوم فقالوا فاتتنا الصلاة عليها فقال (ص) ان الجنازة لا يصلى عليها مرتين ادعوا له وقولوا له حرا وفي طريق هذه الرواية غياث بن كلوب وهو عامي لم يوثقوه في كتب الرجال الا انه قد يعمل الأصحاب برواياته كما يظهر من كلام الشيخ في العدة ومما يدل على الجواز موثقة عمار وموثقة يونس بن يعقوب المشار إليها في المسألة المتقدمة وما رواه الشيخ عن عمر بن شمر عن جابر في الضعيف عن الصادق (ع) ان رسول الله صلى الله عليه وآله خرج على جنازة امرأة من بني النجار فصلى عليها فوجد الحفرة لم ينكتوا (يمكنوا خ ل) فوضع الجنازة فلم يجئ قوم الا قال لهم (ع) صلوا عليها وما رواه الشيخ عن الحلبي في الحسن بإبراهيم بن هاشم عن أبي عبد الله (ع) قال كبر أمير المؤمنين (ع) على سهل بن حنيف وكان بدريا خمس تكبيرات ثم مشى ساعة ثم وضعه وكبر عليه خمسة أخرى فصنع ذلك حتى كبر عليه خمسا وعشرين تكبيرة وعن عمرو بن شمر في الضعيف قال قلت لجعفر بن محمد (ع) جعلت فداك انا نتحدث بالعراق ان عليا (ع) صلى على سهل بن حنيف فكبر عليه ستا ثم التفت إلى من كان خلفه فقال إنه كان بدريا قال فقال جعفر (ع) انه لم يكن كذا ولكنه صلى عليه خمسا ثم رفعه ومشى به ساعة ثم وضعه وكبر عليه خمسا ففعل ذلك خمس مرات حتى كبر عليه خمسا وعشرين تكبيرة وروى هذا المعنى عقبة عن جعفر (ع) وفيه ثم قال لأنه بدري عقبي إحدى وكان من النقباء الذين اختارهم رسول الله صلى الله عليه وآله من الاثني عشر فكانت له خمس مناقب فصلى عليه لكل منقبة صلاة وروى الكليني في الضعيف عن أبي بصير عن أبي جعفر (ع) قال كبر رسول الله صلى الله عليه وآله على خمرة سبعين تكبيرة وكبر علي (ع) عندكم على سهل بن حنيف خمسة وعشرين تكبيرة قال كبر خمسا خمسا كلما أدركه الناس قالوا يا أمير المؤمنين لم ندرك الصلاة على سهل فيضعه فيكبر عليه خمسا حتى انتهى إلى قبره خمس مرات وعن زرارة في الضعيف عن أبي جعفر (ع) قال صلى رسول الله على حمزة سبعين صلاة والمشهور في وجه الجمع بين هذه الأخبار حمل اخبار المنع على الكراهة وهو مشكل لان الكراهة في العبادات انما يتصور إذا كان لطبيعة ما مطلوبة شرعا فرد ان لكل منهما ثواب واحدهما أقل ثوابا بالنسبة إلى الفرد الآخر مع تمكن المكلف من اختيار الفرد الذي هو أكثر ثوابا من الأخر وهذا المعنى لا يتصور ههنا وأقلية الثواب بالنسبة إلى الصلاة على الميت الذي لم يصل عليه غير نافع اللهم الا ان يخص الحكم بصورة المنافاة للتعجيل ويعم الكراهة بحيث يدخل في المكروه ما كان أقل ثوابا بالنسبة إلى طبيعة أخرى مطلوبة شرعا (وان لم يدخلا بحيث طبيعة واحدة مطلوبة شرعا) فيقال هذه الصلاة أقل ثوابا من التعجيل مع أن التزام ارتكاب أمير المؤمنين (ع) للفعل المكروه خمس مرات وأمره به لا يخلو عن اشكال ويمكن الجمع بين الاخبار بحمل اخبار المنع على صورة المنافاة للتعجيل ويكون معنى قوله لا يصلي على جنازة مرتين اي على سبيل الوجوب ولا يبعد ان يقال برجحان تكرار الصلاة عليه في صورة عدم المنافاة للتعجيل لمن لم يدرك الصلاة وللامام وان ادركها استنادا إلى قضية سهل بن حنيف مع امكان النزاع في عموم الحكم إذ يجوز اختصاص الحكم بميت له شرف ومزية في الدين ولهذا لم ينقل مثله في غير سهل واما من أدرك الصلاة غير الامام فلا يدل على رجحان الصلاة بالنسبة إلى عموم رواية عمار السابقة والاستناد إلى مجرده لا يخلو عن اشكال والذي يخدش هذا الاختيار عدم ظهور مصرح به على هذا الوجه فان قلت كيف يتعلق بقضية سهل في ترجيح رجحان التكرار للامام وقد قال المصنف في المختلف ان حديث سهل بن حنيف مختص بذلك الشخص اظهار فضله كما خص النبي صلى الله عليه وآله عمه حمزة بسبعين تكبيرة وفي كلام أمير المؤمنين (ع) في نهج البلاغة ما يدل عليه قلت هذا خلاف الظاهر إذ كون سهل بخصوصه مستثنى عن حكم شرعي كلي لا يخلو عن اشكال والنقل الذي ذكر لم يثبت على وجه ينهض حجة ثم لا يبعد اختصاص الحكم بميت له شرف ومزية في الدين كما أشرنا إليه وبالجملة طريق التردد غير مسند في هذه المسألة واولى الناس (بها) أولاهم بالميراث والمراد بالأولى ههنا المستحق للميراث وهذا الحكم في الجملة مما لا خلاف فيه بين الأصحاب وإن كان لابن الجنيد خلاف في بعض جزئيات المسألة كما سيجئ واستدلوا عليه بقوله تعالى وأولوا الأرحام بعضهم أولي ببعض في كتاب الله وبما رواه الكليني عن ابن أبي عمير في الحسن بإبراهيم بن هاشم عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله (ع) قال يصلي على الجنازة أولي الناس بها أو يأمر من يحب وعن أحمد بن محمد بن أبي نصر في الضعيف عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (ع) قال يصلى على الجنازة أولي بها أو يأمر من يحب وفي عموم الآية على وجه يشمل محل النزاع تأمل وكون المراد بالأولى في الاخبار المستحق للميراث غير متضح الا ان فهم الأصحاب وعملهم يكفي لعدم العدول عنه ومن الأصحاب من صرح بانسحاب الحكم في المعتق عند فقد القريب ثم أولاده ثم الامام وقيل ضامن الجريرة ثم الحاكم ثم عدول المؤمنين والحجة على ذلك غير واضحة والوارث أولي من الموصى إليه بالصلاة عند المصنف ومن تبعه وقدم ابن الجنيد الموصى إليه وفاء بعهد الميت ولاشتهار ذلك بين السلف كوصية أبي بكر لعمر ووصية عمر لصهيب ووصية عائشة لأبي هريرة ووصية ابن مسعود لزبير ووصية ابن جبير لأنس ووصية ابن مسعود أبي شريحة لزيد بن أرقم فجاء عمرو بن حريث أمير الكوفة ليتقدم فاعلمه ابنه بوصيته فقدم زيدا ولان ايصاؤه إليه لظنه فيه مزية فلا ينبغي منعه منها ويدل على مختار المصنف عموم الأدلة السابقة وما ذكر من الحجج لابن الجنيد لا ينتهض حجة في اثبات حكم شرعي وفعل المذكورين ليس بحجة مع احتمال حصول الاذن للوارث ولا (فيه) منع يمكن الاستناد إلى عموم ما دل على الوفاء بالوصية والمسألة محل تردد واعلم أن ظاهر الأصحاب ان اذن الولي انما يتوقف عليه الجماعة لا أصل الصلاة وقد صرح به بعض الأصحاب وهو حسن تقدير الحكم المخالف للأصل بالمقدار المستفاد من الدليل وهو أولوية الولي بالإمامة لان هذا هو المتبادر من الخبرين السابقين وعلى هذا فالمراد بالأولوية توقف الجماعة على تقدمه أو اذنه ويتعين الثاني إذا لم يكن أهلا للإمامة ولو أبى عن الاذن والتقدم مع استيهاله سقط اعتباره كما صرح به الشارح الفاضل وللمناقشة فيه مجال فإنه إذا ثبت له الولاية كان سقوطها بمنعه محتاجا إلى دليل واضح وقد يعلل عدم توقف أصل الصلاة عليه بأنها واجبة على الكفاية فلا يناط برأي أحد من المكلفين وقد يقال لا منافاة بين الوجوب كفاية والإناطة برأي بعض المكلفين على معنى انه ان أقام بنفسه أو بنصب غيره وقام ذلك الغير سقط عن الغير والا سقط اعتباره وانعقدت جماعة وفرادى بغير اذنه والأب أولي من الابن لا أعلم في ذلك خلافا بين الأصحاب واستدل عليه بان الأب ارق على الميت وأشفق فيكون دعاؤه أقرب إلى الإجابة ومجرد هذا التعليل لا يصلح لتأسيس الحكم واثباته نعم يصلح توجيها للحكم بعد ثبوته والولد أولي من الجد على المشهور ونقل عن ابن الجنيد انه جعل الجد أولي من الأب والابن محتجا بان منصب الإمامة أليق بالأب من الولد والأقرب الأول لما علم من الأولوية المتقدمة لان الجد لا يرث مع وجود الابن والأخ من الأبوين أولي ممن يتقرب بأحدهما إما تقديم الأخ من الأبوين على الأخ من الأب خاصة فلا ريب فيه استنادا إلى الأولوية السابقة لأنه يرث معه واما على الأخ من الام فلعله المصنف في المنتهى بأنه
(٣٣٤)