نوافل الأولى على ما دلت عليه الأخبار الكثيرة فان قلت الخبر الحسن لا يصلح لمعارضة الأخبار الصحيحة وارتكاب التأويل فيها قلت قد أشرنا مرارا إلى أن حمل الأوامر وما يقرب منها مما كان في معناها على الرجحان المطلق في اخبارنا حمل واضح لا بعد فيه ويكفى في ارتكابه أو في سبب بلا تكلف يعتريه فلا فساد فيه إذا اقتضاه خبر معتبر فان قلت الظاهر من التنفل في هذا الخبر الاتيان بالنوافل المرتبة واما في خبر محمد بن مسلم المذكور أولا فالظاهر من التطوع فيه أعم من ذلك فيبقى المنع فيه فيما عدا رواية سالما عن المعارض فلا يلزم حمله على الأفضلية قلت هذا الخبر معارض لظاهر الخبر السابق على جهة العموم ويمكن التأويل فيه بوجهين أحدهما تخصيصه بما عدا رواية وثانيهما تعميمه بالنسبة إليها وحمل النفي فيها على الأفضلية وغير خاف رجحان الثاني على الأول والمعنى الذي ذكرناه لدخول وقت الفريضة تبعا لبعض محققي المتأخرين قد ذكره الشيخ في التهذيب وبينه وذكر هذه الشبهة وأجاب عنها بما ذكرنا حيث قال فان قيل قد ذكرتم انه إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الفرض ثم قلتم ان البداية بالنوافل أفضل و هذا ينافي ما روى في الاخبار انه لا تطوع في وقت فريضة ثم نقل رواية محمد بن مسلم المذكورة ورواية أخرى عن زياد أبي عتاب عن أبي عبد الله عليه السلام قال سمعته يقول إذا حضرت المكتوبة فابدأ بها فلا يضرك ان تترك ما قبلها من النافلة ثم قال وما قدمتموه من الاخبار أيضا من أن أول الوقت أفضل يؤكد هذه الأخبار فكيف يجمعون (يجمع) بين هذه وتلك قلنا إما الذي تضمنه الاخبار التي قدمناها من أن الصلاة في أول الوقت أفضل فهي محمولة على الوقت الذي يلي النوافل (فان النوافل) انما يجوز تقديمها إلى أن يمضي مقدار قدمين أو ذراع فإذا مضى ذلك المقدار فلا يجوز الاشتغال بالنوافل بل ينبغي ان يبدأ بالفرض ويكون ذلك الوقت أفضل من الوقت الذي بعده وهو وقت المضطر و صاحب الاعذار (وكل ذلك قد اوردنا فيه الاخبار ثم نقل اخبار أخرى دالة عليه) ثم قال فان قيل الاخبار التي تضمنت ان أول الوقت أفضل عامة وليس فيها تخصيص الوقت الذي ذكرتموه فمن أين قلتم ذلك وهلا حملتموها على العموم و قيل له حملنا ذلك على ما قلناه لئلا تتناقض الاخبار وقد ورد أيضا بشرحها اثار ثم نقل رواية دالة على بيان ان أفضل وقت الظهر ما كان بعد الذراع ثم قال بعد ذلك فاما ما تضمنه الاخبار التي قدمناها من أنه لا تطوع في وقت فريضة فمحموله على أنه لا تطوع في وقت فريضة قد تضيق وقتها أو في وقت فريضة لم يشرع فعل النافلة فيه على ما بيناه من أنه إذا مضى من الزوال قدمان أو قدم ونصف فلا نافلة وينبغي ان يبدأ بالفريضة وعلى هذا لا تنافي بين الاخبار ثم نقل اخبار دالة عليه ثم قال فان قيل قد نراكم رتبتم الأوقات بعضها على بعض وجعلتم لبعضها فضلا على بعض وقد روى أن ذلك كله سواء ثم نقل اخبارا دالة على التوسعة ثم قال قيل له ليس في الاخبار ما ينافي ما قدمناه لان قوله عليه السلام كل ذلك واسع محمول على أن ذلك كله جائز قد سوغته الشريعة وإن كان لبعضها فضل على بعض وليس في الخبران ذلك كله واسع متساو في الفضل ويجوز ان يكون سوغ ذلك لهم لضرب من التقية والاستصلاح وأورد خبرا دالا عليه انتهى وقد غفل عن هذا المعنى جماعة من المتأخرين حتى نقل صاحب المنتقى (المنتهى) عن بعض معاصريه انه يرى ايثار تقديم الفريضة على النافلة في أول الوقت من حسنة محمد بن مسلم المذكورة وأشباهه ومما يقتضى حمل الأخبار السابقة على الأفضلية ما رواه الشيخ في الموثق عن سماعة قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يأتي المسجد وقد صلى أهله أيبتدأ بالمكتوبة أو يتطوع فقال إن كان في وقت حسن فلا باس بالتطوع قبل الفريضة وإن كان خاف الفوت من أجل ما مضى في (من) الوقت فليبدء بالفريضة وهو حق الله ثم ليتطوع ما شاء الامر موسع ان يصلي الانسان في أول وقت الفريضة والفضل ان صلى الانسان وحده ان يبدأ بالفريضة إذا دخل وقتها ليكون فضل أول الوقت للفريضة وليس بمحظور عليه ان يصلي النوافل من أول الوقت إلى قريب من اخر الوقت ورواه الكليني في الكافي بتفاوت ما وفيه موسع ان يصلي الانسان في أول دخول وقت الفريضة بالنوافل الا ان يخاف فوت الفريضة وما رواه الشيخ (والكليني) في الموثق عن إسحاق بن عمار قال قلت أصلي في وقت فريضة نافلة قال نعم في أول الوقت إذا كنت مع امام يقتدى به فإذا كنت وحدك فابدء بالمكتوبة ومما يدل على جواز النافلة في وقت الفريضة ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن مسكان ومحمد بن النعمان الأحول عن أبي عبد الله عليه السلام قال إذا دخل المسافر مع أقوام حاضرين في صلاتهم فإن كانت الأولى فليجعل الفريضة في الركعتين الأوليين وإن كانت العصر فليجعل الأوليين نافلة والأخيرتين فريضة اوردها الشيخ في باب القضاء من التهذيب وما رواه الكليني في باب الرجل يصلي وحده ثم يعيد في الجماعة في الصحيح عن سليمان بن خالد قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل دخل المسجد وافتتح الصلاة فبينها وهو قائم يصلي إذا اذن المؤذن وأقام الصلاة قال فليصل ركعتين ثم ليستأنف الصلاة مع الامام ولتكن الركعتان تطوعا ومما يؤيد ذلك الأخبار الكثيرة الدالة على شرعية خمس صلوات في كل وقت من جملتها الفائتة وهي أعم من المندوبة ومن جملتها صلاة الاحرام وهي مندوبة ويجئ بعض تلك الأخبار عند شرح قول المصنف ويترتب الفائتة على الحاضرة ويمكن الجمع بين الاخبار بوجه آخر وهو ان يقال بتخصيص النهي الواقع على التنفل بعد دخول وقت الفريضة بما إذا كان المقيم قد شرع في الإقامة كما تدل عليه صحيحة عمر بن يزيد انه سال أبا عبد الله عليه السلام عن الرواية التي يروون انه لا ينبغي ان يتطوع في وقت فريضة ما حد هذا الوقت قال إذا اخذ المقيم في الإقامة فقال له الناس يختلفون في الإقامة قال المقيم الذي تصلي معه والشهيد في الذكرى استشهد برواية محمد بن مسلم وسماعة وإسحاق بن عمار على جواز النافلة مطلقا لمن عليه فريضة وأنت خبير بان الاخبار الثلاثة غير عامة في النوافل مطلقا فلا تنهض باثبات المدعى كلية والتحقيق ان النوافل المرتبة يجوز الاتيان بها في أول وقت الأجزاء وهو ما قبل الذراع والذراعين على ما مر وما في وقت فضيلة الفريضة بها الفضل (فالأفضل) تقديم الفريضة ويجوز النافلة مرجوحة بالنسبة إلى الاتيان بالفريضة لا مطلقا فلا يرد ان العبادة لا تكون الا راجحة والدليل عليه الاخبار الثلاثة المذكورة وعموم ما دل على شرعية النوافل في كل وقت وما دل على شرعيتها قبل الفريضة كما في الظهرين والصبح أو بعدها كما في المغرب وقد مر من الأخبار الدالة على قدر صالح واما قضاء النوافل فكذلك للاخبار الكثيرة الدالة على شرعيتها في كل وقت كصحيحة حسان بن مهران قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قضاء النوافل قال ما بين طلوع الشمس إلى غروبها وصحيحة ابن أبي يعفور قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول صلاة النهار يجوز قضاؤها اي ساعة شئت من ليل أو نهار (وحسنة الحسين بن أبي العلا عن أبي عبد الله عليه السلام قال اقض صلاة النهار اي ساعة شئت من ليل أو نهار) ورواية محمد بن يحيى حبيب قال كتبت إلى أبي الحسن الرضا عليه السلام تكون على الصلاة النافلة متى اقضيها فكتب في اي ساعة شئت من ليل أو نهار وكصحيحة عبد الله بن المغيرة قال سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن الرجل يفوته الوتر قال يقضيه وترا ابدا وقريب منه موثقة زرارة وموثقة سليمان بن خالد وموثقة أخرى لسليمان بن خالد قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قضاء الوتر بعد الظهر فقال اقضه وترا ابدا وموثقة الفضل قال سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول تقضيه من النهار ما لم تزل الشمس وترا فإذا زالت الشمس فمثنى مثنى وقريب منه موثقة أبي بصير ورواية كردويه ومنها صحيحة علي بن يقطين قال سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل يفوته الوتر من الليل قال يقضيه وترا متى ما ذكر وان زالت الشمس وبعضها تدل على قضاء نوافل النهار في النهار ونوافل الليل في الليل وهي أيضا يفند المدعى بعمومها كحسنة معاوية بن عمار وموثقة إسماعيل الجعفي وأظهر منها دلالة صحيحة محمد بن مسلم قال سألته عن الرجل يفوته صلاة النهار قال يقضيها ان شاء بعد المغرب وان شاء بعد العشاء وحسنة الحلبي لإبراهيم بن هاشم قال سئل أبو عبد الله عن رجل فاته صلاة النهار متى يقضيها قال متى ما شاء ان شاء بعد المغرب وان شاء بعد العشاء وأظهر منها دلالة
(٢٠٣)