الهدي وإعادة الحج. وقال الزهري: لا بد أن يقف بعمرة وإن نعش نعشا. وأصل مذهب مالك أن المحصر بمرض إن بقي على إحرامه إلى العام المقبل حتى يحج حجة القضاء فلا هدي عليه، فإن تحلل بعمرة فعليه هدي المحصر، لأنه حلق رأسه قبل أن ينحر في حجة القضاء، وكل من تأول قوله سبحانه: * (فإذا أمنتم فمن تمتع بالعمرة إلى الحج) * أنه خطاب للمحصر وجب عليه أن يعتقد على ظاهر الآية أن عليه هديين هديا لحلقه عند التحلل قبل نحره في حجة القضاء، وهديا لتمتعه بالعمرة إلى الحج، وإن حل في أشهر الحج من العمرة وجب عليه هدي ثالث، وهو هدي التمتع الذي هو أحد أنواع نسك الحج. وأما مالك رحمه الله، فكان يتأول لمكان هذا أن المحصر إنما عليه هدي واحد، وكان يقول: إن الهدي الذي في قوله سبحانه: * (فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي) * هو بعينه الهدي الذي في قوله: * (فإذا أمنتم فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي) * وفيه بعد في التأويل، والأظهر أن قوله سبحانه: * (فإذا أمنتم فمن تمتع بالعمرة إلى الحج) * أنه في غير المحصر بل هو في التمتع الحقيقي، فكأنه قال:
فإذا لم تكونوا خائفين لكن تمتعتم بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي، ويدل على هذا التأويل قوله سبحانه: * (ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام) * والمحصر يستوي فيها حاضر المسجد الحرام وغيره بإجماع وقد قلنا في أحكام المحصر الذي نص الله عليه، فلنقل في أحكام القاتل للصيد.
القول في أحكام جزاء الصيد فنقول: إن المسلمين أجمعوا على أن قوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما) * هي آية محكمة، واختلفوا في تفاصيل أحكامها وفيما يقاس على مفهومها مما لا يقاس عليه، فمنها أنهم اختلفوا هل الواجب في قتل الصيد قيمته أو مثله؟ فذهب الجمهور إلى أن الواجب المثل، وذهب أبو حنيفة إلى أنه مخير بين القيمة أعني قيمة الصيد وبين أن يشتري بها المثل ومنها أنهم اختلفوا في استئناف الحكم على قاتل الصيد فيما حكم فيه السلف من الصحابة، مثل حكمهم أن من قتل نعامة فعليه بدنة تشبيها بها، ومن قتل غزالا فعليه شاة،