الطهارة، وإن كنا نشترط الفور، ويحتمل أن يقال إن غسلهما، أجزأت الطهارة، إذا لم يشترط الفور. وأما اشتراط الفور من حين نزع الخف فضعيف، وإنما هو شئ يتخيل. فهذا ما رأينا أن نثبته في هذا الباب.
الباب الثالث: في المياه والأصل في وجوب الطهارة بالمياه قوله تعالى: * (وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به) * وقوله: * (فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا) *. وأجمع العلماء على أن جميع أنواع المياه طاهرة في نفسها مطهرة لغيرها، إلا ماء البحر، فإن فيه خلافا في الصدر الأول شاذا. وهم محجوجون بتناول الماء المطلق له، وبالأثر الذي خرجه مالك وهو قوله عليه الصلاة والسلام في البحر: هو الطهور ماؤه الحل ميتته وهو وإن كان حديثا مختلفا في صحته، فظاهر الشر يعضده وكذلك أجمعوا على أن كل ما يغير الماء مما لا ينفك عنه غالبا أنه لا يسلب صفة الطهارة والتطهير إلا خلافا شاذا روى في الماء الآجن عن ابن سيرين، وهو أيضا محجوج يتناول اسم الماء المطلق له، واتفقوا على أن الماء الذي غيرت النجاسة، إما طعمه، أو لونه، أو ريحه أو أكثر من واحدة من هذه الأوصاف أنه لا يجوز به الوضوء ولا الطهور واتفقوا على أن الماء الكثير المستبحر لا تضره النجاسة التي لم تغير أحد أوصافه وأنه طاهر، فهذا ما أجمعوا عليه من هذا الباب.
واختلفوا من ذلك في ست مسائل تجري مجرى القواعد والأصول لهذا الباب.
المسألة الأولى: اختلفوا في الماء إذا خالطته نجاسة، ولم تغير أحد أوصافه. فقال قوم: هو طاهر سواء أكان كثيرا. أو قليلا، وهي إحدى الروايات عن مالك، وبه قال أهل الظاهر. وقال قوم: بالفرق بين القليل والكثير، فقالوا: إن كان قليلا كان نجسا، وإن كان كثيرا لم يكن نجسا وهؤلاء اختلفوا في الحد بين القليل، والكثير، فذهب أبو حنيفة، إلى أن الحد في هذا هو أن يكون الماء من الكثرة بحيث إذا حركه آدمي من أحد طرفيه لم تسر الحركة إلى الطرف الثاني منه وذهب الشافعي إلى أن الحد في ذلك هو قلتان من قلال هجر وذلك نحو من خمسمائة رطل. ومنهم من لم يحد في ذلك حدا، ولكن قال: إن النجاسة تفسد قليل الماء وإن لم تغير أحد أوصافه. وهذا أيضا مروي عن مالك وقد روي أيضا أن هذا الماء مكروه، فيتحصل عن مالك في الماء اليسير تحله النجاسة اليسيرة ثلاثة أقوال: قول إن النجاسة تفسده، وقول إنها لا تفسده إلا أن يتغير أحد أوصافه، وقول إنه مكروه ويسبب اختلافهم. في ذلك: هو تعارض ظواهر الأحاديث الواردة في ذلك،