ذلك، فمؤتلف غير مختلف لأن الاعتبار في ذلك، لتجلي الكسوف، فالزيادة في الركوع إنما تقع بحسب اختلاف التجلي في الكسوفات التي صلى فيها. وروي عن العلاء بن زياد أنه كان يرى أن المصلي ينظر إلى الشمس إذا رفع رأسه من الركوع، فإن كانت قد تجلت:
سجد، وأضاف إليها ركعة ثانية، وإن كانت لم تنجل، ركع في الركعة الواحدة ركعة ثانية: ثم نظر إلى الشمس، فإن كانت تجلت، سجد، وأضاف إليها ثانية، وإن كانت لم تنجل، ركع ثالثة في الركعة الأولى، وهكذا حتى تنجلي وكان إسحاق بن راهويه يقول: لا يتعدى بذلك أربع ركعات في كل ركعة، لأنه لم يثبت عن النبي (ص) أكثر من ذلك.
وقال أبو بكر بن المنذر: وكان بعض أصحابنا يقول: الاختيار في صلاة الكسوف ثابت عين، وإن شاء ثلاثة وإن شاء أربعة، ولم يصح عنده ذلك، قال: وهذا يدل على أن النبي عليه الصلاة والسلام صلى في كسوفات كثيرة. قال القاضي: هذا الذي ذكره هو الذي خرجه مسلم، ولا أدري كيف قال أبو عمر فيها إنها وردت من طرق ضعيفة، وأما عشر ركعا ت في ركعتين، فإنما أخرجه أبو داود فقط.
المسألة الثانية: واختلفوا في القراءة فيها، فذهب مالك والشافعي إلى أن القراءة فيها سر وقال أبو يوسف ومحمد بن الحسن، وأحمد، وإسحاق بن راهويه يجهر بالقراءة فيها.
والسبب في اختلافهم: اختلاف الآثار في ذلك بمفهومها، وبصيغها، وذلك أن مفهوم حديث ابن عباس الثابت أنه قرأ سرا لقوله فيه عنه عليه الصلاة والسلام: فقام قياما نحوا من سورة البقرة وقد روي هذا المعنى نصا عنه أنه قال: قمت إلى جنب رسول الله (ص)، فما سمعت منه حرفا. وقد روي أيضا من طريق ابن إسحاق عن عائشة في صلاة الكسوف أنها قالت: تحريت قراءته فحزرت أنه قرأ سورة البقرة. فمن رجح هذه الأحاديث قال: القراءة فيها سر. ولمكان ما جاء في هذه الآثار، استحب مالك والشافعي أن يقرأ في الأولى البقرة، وفي الثانية آل عمران، وفي الثالثة بقدر مائة وخمسين آية من البقرة، وفي الرابعة بقدر خمسين آية من البقرة، وفي كل واحدة أم القرآن، ورجحوا أيضا مذهبهم هذا بما روي عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: صلاة النهار عجماء. ووردت هاهنا أيضا أحاديث مخالفة لهذه، فمنها أنه روي: أنه عليه الصلاة والسلام، قرأ في إحدى الركعتين من صلاة الكسوف بالنجم مفهوم هدا أنه جهر وكان. أحمد، وإسحاق يحتجان لهذا المذهب بحديث سفيان بن الحسن عن الزهري عن عروة عن عائشة: أن النبي عليه الصلاة والسلام جهر بالقراءة في كسوف الشمس. قال أبو عمر: سفيان بن الحسن ليس بالقوي، وقال: وقد تابعه على ذلك عن الزهري عن عبد الرحمن بن سليمان بن كثير، وكلهم ليس في حديث الزهري، مع أن حديث ابن إسحاق المتقدم عن عائشة يعارضه.