له صيغة تفهم الوجوب، أو لا تفهمه، وقد احتج عبد الوهاب لوجوبه بقوله عليه الصلاة والسلام في ابنته: اغسلنها ثلاثا، أو خمسا. وبقوله في المحرم: اغسلوه. فمن رأى أن هذا القول خرج مخرج تعليم لصفة أنه يتضمن الامر والصفة قال: بوجوبه.
الفصل الثاني: فيمن يجب غسله من الموتى وأما الأموات الذين يجب غسلهم، فإنهم اتفقوا من ذلك على غسل الميت المسلم الذي لم يقتل في معترك حرب الكفار. واختلفوا في غسل الشهيد وفى الصلاة عليه، وفي غسل المشرك. فأما الشهيد: أعني الذي قتله في المعترك المشركون، فإن الجمهور على ترك غسله، لما روي: أن رسول الله (ص) أمر بقتلى أحد، فدفنوا بثيابهم، ولم يصل عليهم وكان الحسن، وسعيد بن المسيب يقولان: يغسل كل مسلم، فإن كل ميت يجنب. ولعلهم كانوا يرون أن ما فعل بقتلى أحد، كان لموضع الضرورة: أعني المشقة في غسلهم، وقال بقولهم من فقهاء الأمصار عبيد الله بن الحسن العنبري. وسئل أبو عمر فيما حكى ابن المنذر عن غسل الشهيد، فقال: قد غسل عمر، وكفن، وحنط، وصلي عليه، وكان شهيدا يرحمه الله. واختلف الذين اتفقوا على أن الشهيد في حرب المشركين لا يغسل - في الشهداء من قتل اللصوص، أو غير أهل الشرك، فقال الأوزاعي، وأحمد، وجماعة حكمهم حكم من قتله أهل الشرك، وقال مالك والشافعي: يغسل. وسبب اختلافهم: هو هل الموجب لرفع حكم الغسل، هي الشهادة مطلقا أو الشهادة على أيدي الكفار؟ فمن رأى أن سبب ذلك، هي الشهادة مطلقا، قال: لا يغسل كل من نص عليه النبي (ص) أنه شهيد ممن قتل. ومن رأى أن سبب ذلك، هي الشهادة من الكفار، قصر ذلك عليهم. وأمل غسل المسلم الكافر فكان مالك يقول: لا يغسل المسلم والده الكافر ولا يقبره، إلا أن يخاف ضياعه، فيواريه وقال الشافعي: لا بأس بغسل المسلم قرابته من المشركين، ودفنهم وبه قال أبو ثور وأبو حنيفة وأصحابه. قال أبو بكر بن المنذر: ليس في غسل الميت المشرك سنة تتبع، وقد روى: أن النبي عليه الصلاة والسلام أمر بغسل عمه لما مات. وسبب الخلاف: هل الغسل من باب العبادة، أو من باب النظافة؟ فإن كانت عبادة لم يجز غسل الكافر، وإن كانت نظافة جاز غسله.
الفصل الثالث: فيمن يجوز أن يغسل الميت وأما من يجوز أن يغسل الميت، فإنهم اتفقوا على أن الرجال يغسلون الرجال والنساء يغسلن النساء، واختلفوا في المرأة تموت مع الرجال، أو الرجل يموت مع النساء، ما لم يكونا زوجين على ثلاثة أقوال: فقال قوم: يغسل كل واحد منهما صاحبه من