الجملة الثانية في الأركان والأركان ثلاثة: اثنان متفق عليهما، وهما الزمان والامساك عن المفطرات والثالث مختلف فيه، وهو النية. فأما الركن الأول الذي هو الزمان: فإنه ينقسم إلى قسمين: أحدهما: زمان الوجوب، وهو شهر رمضان، والآخر زمان الامساك عن المفطرات وهو أيام هذا الشهر دون الليالي، ويتعلق بكل واحد من هذين الزمانين مسائل وقواعد، اختلفوا فيها، فلنبدأ بما يتعلق من ذلك بزمان الوجوب وأول ذلك في تحديد طرفي هذا الزمان. وثانيا في معرفة الطريق التي بها يتوصل إلى معرفة العلامة المحددة في حق شخص شخص، وأفق أفق. فأما طرفا هذا الزمان، فإن العلماء أجمعوا على أن الشهر العربي يكون تسعا وعشرين، ويكون ثلاثين، وعلى أن الاعتبار في تحديد شهر رمضان، إنما هو الرؤية، لقوله عليه الصلاة والسلام صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته وعنى بالرؤية أول ظهور القمر بعد السؤال. واختلفوا في الحكم، إذا غم الشهر، ولم تمكن الرؤية، وفي وقت الرؤية المعتبر، فأما اختلافهم، إذا غم الهلال، فإن الجمهور يرون أن الحكم في ذلك أن تكمل العدة ثلاثين، فإن كان الذي غم هلال أول الشهر عن الشهر الذي قبله ثلاثين يوما، وكان أول رمضان الحادي والثلاثين وإن كان الذي غم هلال آخر الشهر، صام الناس ثلاثين يوما وذهب ابن عمر إلى أنه، إن كان المغمى عليه هلال أول الشهر، صيم اليوم الثاني، وهو الذي يعرف بيوم الشك. وروي عن بعض السلف أنه إذا أغمي الهلال، رجع إلى الحساب بمسير القمر، والشمس، وهو مذهب مطرف بن الشخير، وهو من كبار التابعين وحكى ابن سريج عن الشافعي أنه قال: من كان مذهبه الاستدلال بالنجوم ومنازل القمر، ثم تبين له من جهة الاستدلال أن الهلال مرئي، وقد غم، فإن له أن يعقد الصوم، ويجزيه. وسبب اختلافهم: الاجمال الذي في قوله (ص) صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم، فاقدروا له. فذهب الجمهور إلى أن تأويله أكملوا العدة ثلاثين.
ومنهم من رأى أن معنى التقدير له، هو عده بالحساب، ومنهم من رأى أن معنى ذلك أن يصبح المرء صائما، وهو مذهب ابن عمر كما ذكرنا، وفيه بعد في اللفظ، وإنما صار الجمهور إلى هذا التأويل لحديث ابن عبا س الثابت أنه قال عليه الصلاة والسلام فإن غم عليكم، فأكملوا العدة ثلاثين وذلك مجمل، وهذا مفسر، فوجب أن يحمل المجمل على المفسر. وهي طريقة لا خلاف فيها بين الأصوليين، فإنهم ليس عندهم بين المجمل، والمفسر تعارض أصلا، فمذهب الجمهور في هذا لائح، والله أعلم. وأما اختلافهم في اعتبار وقت الرؤية، فإنهم اتفقوا على أنه، إذا رئي من العشي أن الشهر من اليوم الثاني، واختلفوا إذا رئي في سائر أوقات النهار، أعني أول ما رئي، فمذهب الجمهور أن القمر في أول وقت ت رئي من النهار، أنه لليوم المستقبل كحلم رؤيته بالعشي، وبهذا القول قال مالك، والشافعي، وأبو حنيفة، وجمهور أصحابهم. وقال أبو يوسف من أصحاب أبي حنيفة