الانسي لا يؤكل إلا بالذبح أو النحر، وأن الوحشي يؤكل بالعقر. وأما الخبر المعارض لهذه الأصول، فحديث رافع بن خديج وفيه قال: فند منها بعير وكان في القوم خيل يسيرة فطلبوه فأعياهم، فأهوى إليه رجل بسهم فحبسه الله تعالى به، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: إن لهذه البهائم أوابد كأوابد الوحش فما ند عليكم فاصنعوا به هكذا.
والقول بهذا الحديث أولى لصحته، لأنه لا ينبغي أن يكون هذا مستثنى من ذلك الأصل مع أن لقائل أن يقول إنه جار مجرى الأصل في هذا الباب، وذلك أن العلة في كون العقر ذكاة في بعض الحيوان ليس شيئا أكثر من عدم القدرة عليه، لا لأنه وحشي فقط، فإذا وجد هذا المعنى من الانسي جاز أن تكون ذكاته ذكاة الوحشي، فيتفق القياس والسماع.
الباب الثاني: فيما يكون به الصيد والأصل في هذا الباب آيتان وحديثان: الآية الأولى قوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا ليبلونكم الله بشئ من الصيد تناله أيديكم ورماحكم) * والثانية قوله تعالى: * (قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين) * الآية. وأما الحديثان: فأحدهما: حديث عدي بن حاتم، وفيه أن رسول الله (ص) قال له: إذا أرسلت كلابك المعلمة وذكرت اسم الله عليها فكل مما أمسكن عليك. وإن أكل الكلب فلا تأكل فإني أخاف أن يكون إنما أمسك على نفسه، وإن خالطها كلاب غيرها فلا تأكل فإنما سميت على كلبك ولم تسم على غيره وسأله عن المعراض فقال: إذا أصاب بعرضه فلا تأكل فإنه وقيذ وهذا الحديث هو أصل في أكثر ما في هذا الكتاب. والحديث الثاني: حديث أبي ثعلبة الخشني، وفيه من قوله عليه الصلاة والسلام: ما أصبت بقوسك فسم الله ثم كل، وما صدت بكلبك الذي ليس بمعلم وأدركت ذكاته فكل وهذان الحديثان اتفق أهل الصحيح على اخراجهما. والآلات التي يصاد بها منها ما اتفقوا عليها بالجملة، ومنها ما اختلفوا فيها وفي صفاتها، وهي ثلاث: حيوان جارح، ومحدد، ومثقل. فأما المحدد فاتفقوا عليه كالرماح والسيوف والسهام للنص عليها في الكتاب والسنة، وكذلك بما جرى مجراها مما يعقر ما عدا الأشياء التي اختلفوا في عملها في ذكاة الحيوان الانسي وهي السن والظفر والعظم وقد تقدم اختلافهم في ذلك فلا معنى لإعادته. وأما المثقل فاختلفوا في الصيد به مثل الصيد بالمعراض والحجر، فمن العلماء من لم يجز من ذلك إلا ما أدركت ذكاته، ومنهم من أجازه على الاطلاق، ومنهم من فرق بين ما قتله المعراض أو الحجر بثقله أو بحده إذا خرق جسد