سواها، فروى ابن القاسم عن مالك أنه كره الانتباذ في الدباء والمزفت ولم يكره غيره ذلك، وكره الثوري الانتباذ في الدباء والحنتم والنقير والمزفت، وقال أبو حنيفة وأصحابه: لا بأس بالانتباذ في جميع الظروف والأواني. وسبب اختلافهم: اختلاف الآثار في هذا الباب. وذلك أنه ورد من طريق ابن عباس النهي عن الانتباذ في الأربع التي كرهها الثوري، وهو حديث ثابت. وروى مالك عن ابن عمر في الموطأ أن النبي عليه الصلاة والسلام نهى عن الانتباذ في الدباء، والمزفت وجاء في حديث جابر عن النبي عليه الصلاة والسلام من طريق شريك عن سماك أنه قال: كنت نهيتكم أن تنبذوا في الدباء والحنتم والنقير والمزفت فانتبذوا ولا أحل مسكرا وحديث أبي سعيد الخدري الذي رواه مالك في الموطأ، وهو أنه عليه الصلاة والسلام قال: كنت نهيتكم عن الانتباذ فانتبذوا. وكل مسكر حرام. فمن رأى أن النهي المتقدم الذي نسخ إنما كان نهيا عن الانتباذ في هذه الأواني إذ لم يعلم ههنا نهي متقدم غير ذلك قال: يجوز الانتباذ في كل شئ. ومن قال إن النهي المتقدم الذي نسخ إنما كان نهيا عن الانتباذ مطلقا قال: بقي النهي عن الانتباذ في هذه الأواني، فمن اعتمد في ذلك حديث ابن عمر قال بالآيتين المذكورتين فيه، ومن اعتمد في ذلك حديث ابن عباس قال: بالأربعة، لأنه يتضمن مزيدا، والمعارضة بينه وبين حديث ابن عمر إنما هي من باب دليل الخطاب. وفي كتاب مسلم النهي عن الانتباذ في الحنتم، وفيه أنه رخص لهم فيه إذا كان غير مزفت.
وأما المسألة الثانية: وهي انتباذ الخليطين، فإن الجمهور قالوا بتحريم الخليطين من الأشياء التي من شأنها أن تقبل الانتباذ، وقال قوم: بل الانتباذ مكروه، وقال قوم: هو مباح، وقال قوم: كل خليطين فهما حرام وإن لم يكونا مما يقبلان الانتباذ فيما أحسب الآن. والسبب في اختلافهم: ترددهم في هل النهي الوارد في ذلك هو على الكراهة أو على الحظر؟ وإذا قلنا إنه على الحظر، فهل يدل على فساد المنهي عنه أم لا؟ وذلك أنه ثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه نهى عن أن يخلط التمر والزبيب، والزهو والرطب، والبسر والزبيب وفي بعضها أنه قال عليه الصلاة والسلام لا تنتبذوا الزهو والزبيب جميعا، ولا التمر والزبيب جميعا، وانتبذوا كل واحد منهما على حدة فيخرج في ذلك بحسب التأويل الأقاويل الثلاثة: قول بتحريمه. وقول بتحليله مع الاثم في الانتباذ. وقول بكراهية ذلك. وأما من قال إنه مباح، فلعله اعتمد في ذلك عموم الأثر بالانتباذ في حديث أبي سعيد الخدري، وأما من منع كخليطين، فإما أن يكون ذهب إلى أن علة المنع هو الاختلاط لا ما يحدث من الاختلاط من الشدة في النبيذ، وإما أن يكون قد تمسك بعموم ما ورد أنه نهى عن الخليطين. وأجمعوا على أن الخمر إذا تخللت من ذاتها جاز أكلها. واختلفوا إذا قصد تخليلها على ثلاثة أقوال: التحريم، والكراهية، والإباحة. وسبب اختلافهم:
معارضة القياس للأثر واختلافهم في مفهوم الأثر، وذلك أن أبا داود خرج من حديث