فإنه يبعث يوم القيامة يلبي. وأما العموم، فهو ما ورد من الامر بالغسل مطلقا، فمن خص من الأموات المحرم بهذا الحديث كتخصيص الشهداء بقتلى أحد، جعل الحكم منه عليه الصلاة والسلام على الواحد حكما على الجميع، وقال: لا يغطى رأس المحرم، ولا يمس طيبا، ومن ذهب مذهب الجمع، لا مذهب الاستثناء والتخصيص قال: حديث الاعرابي خاص به، لا يعدى إلى غيره.
الباب الرابع في صفة المشي مع الجنازة واختلفوا في سنة المشي مع الجنازة، فذهب أهل المدينة إلى أن من سننها المشي أمامها وقال الكوفيون، وأبو حنيفة، وسائرهم: إن المشي خلفها أفضل. وسبب اختلافهم:
اختلاف الآثار التي روى كل واحد من الفريقين عن سلفه، وعمل به، فروى مالك عن النبي (ص) مرسلا المشي أمام الجنازة وعن أبي بكر، وعمر، وبه قال الشافعي.
وأخذ أهل الكوفة بما رووا عن علي ابن أبي طالب من طريق عبد الرحمن بن أبزى، قال:
كنت أمشي مع علي في جنازة وهو آخذ بيدي، وهو يمشي خلفها، و أبو بكر، وعمر يمشيان أمامها، فقلت له فذلك، فقال: إن فضل الماشي خلفها على الماشي أمامها كفضل صلاة المكتوبة على صلاة النافلة، وإنهما ليعلمان ذلك، ولكنهما سهلان يسهلان على الناس.
وروي عنه رضي الله عنه أنه قال: قدمها بين يديك، واجعلها نصب عينيك فإنما هي موعظة، وتذكرة، وعبرة، وبما روي أيضا عن ابن مسعود أنه كان يقول: سألنا رسول الله (ص) عن السير مع الجنازة، فقال: الجنازة متبوعة، وليست بتابعة، وليس معها من يقدمها وحديث المغيرة بن شعبة عن النبي (ص) قال: الراكب يمشي أمام الجنازة والماشي خلفها، وأمامها، وعن يمينها، أو عن يسارها قريبا منها وحديث أبي هريرة أيضا في هذا المعنى قال:
امشوا خلف الجنازة وهذه الأحاديث صار إليها الكوفيون وهي أحاديث يصححونها ويضعفها غيرهم الجنازة. وأكثر العلماء على أن القيام إلى الجنازة منسوخ بما روى مالك من حديث علي بن أبي طالب: أن رسول الله (ص) كان يقوم في الجنائز ثم جلس. وذهب قوم إلى وجوب القيام، وتمسكوا في ذلك بما روي من أمره (ص) بالقيام لها، كحديث عامر بن ربيعة قال: قال رسول الله (ص): إذا رأيتم الجنائز، فقوموا إليها حتى تخلفكم، أو توضع. واختلف الذين رأوا أن القيام منسوخ في القيام على القبر في وقت الدفن، فبعضهم رأى أنه لم يدخل تحت النهي، وبعضهم رأى أنه داخل تحت النهي على ظاهر اللفظ ومن أخرجه من ذلك احتج بفعل علي في ذلك، وذلك أنه روى النسخ، وقام على قبر ابن المكلف، فقيل له: ألا تجلس يا أمير المؤمنين؟ فقال: قليل لأخينا قيامنا على قبره.