بين الأختين عبادة محضة غير معقولة المعنى، فيقوى حينئذ مذهب أبي حنيفة. وكذلك أجمعوا على أن المطلقة المبتوتة لا تغسل زوجها، واختلفوا في الرجعية. فروي عن مالك أنها تغسله، وبه قال أبو حنيفة، وأصحابه. وقال ابن القاسم: لا تغسله، وإن كان الطلاق رجعيا. وهو قياس قول مالك، لأنه ليس يجوز عنده أن يراها، وبه قال الشافعي. وسبب اختلافهم هو هل يحل للزوج أن ين ر إلى الرجعية أو لا ينظر إليها؟ وأما حكم الغاسل فإنهم اختلفوا فيما يجب عليه، فقال قوم: من غسل ميتا وجب عليه الغسل، وقال قوم لا غسل عليه. وسبب اختلافهم: معارضة حديث أبي هريرة لحديث أسماء، وذلك أن أبا هريرة روى عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: من غسل ميتا، فليغتسل ومن حمله، فليتوضأ خرجه أبو داود. وأما حديث أسماء، فإنه، لما غسلت أبا بكر رضي الله عنه خرجت، فسألت من حضرها من المهاجرين والأنصار، وقالت: إني صائمة، وإن هذا يوم شديد البرد، فهل علي من غسل؟ قالوا: لا. وحديث أسماء في هذا صحيح، وأما حديث أبي هريرة، فهو عند أكثر أهل العلم فيما حكى أبو عمر غير صحيح، لكن حديث أسماء ليس فيه في الحقيقة معارضة له، فإن من أنكر الشئ يحتمل أن يكون ذلك، لأنه لم تبلغه السنة في ذلك الشئ، وسؤال أسماء - والله أعلم - يدل على الخلاف في ذلك في الصدر الأول ولهذا كله قال الشافعي رضي الله عنه - على عادته في الاحتياط، والالتفات إلى الأثر -: لا غسل على من غسل الميت إلا أن يثبت حديث أبي هريرة.
الفصل الرابع: في صفة الغسل وفي هذا الفصل مسائل:
إحداها: هل ينزع عن الميت قميصه إذا غسل؟ أم يغسل في قميصه؟ اختلفوا في ذلك، فقال مالك: إذا غسل الميت تنزع ثيابه، وتستر عورته وبه قال أبو حنيفة، وقال الشافعي يغسل في قميصه. وسبب اختلافهم: تردد غسله عليه الصلاة والسلام في قميصه بين أن يكون خاصا يحرم من النظر إلى الميت إلا ما يحرم منه، وهو حي قال: يغسل عريانا، إلا عورته فقط التي يحرم النظر إليها في حال الحياة. ومن رأى أن ذلك سنة يستند إلى باب الاجماع، أو إلى الامر الإلهي، لأنه روي في الحديث أنهم سمعوا صوتا يقول لهم: لا تنزعوا القميص، وقد ألقي عليهم النوم، قال: الأفضل أن يغسل الميت في قميصه.
المسألة الثانية: قال أبو حنيفة: لا يوضأ الميت. وقال الشافعي يوضأ وقال مالك: إن وضئ فحسن. وسبب الخلاف في ذلك: معارضة القياس للأثر، وذلك أن القياس يقتضي ألا وضوء على الميت، لان الوضوء طهارة مفروضة لموضع العبادة، وإذا