فوجب أن يكون الامر كذلك إذا اجتمعا. فهذا هو القول في وجوب هذا الفعل وصفته وشروطه وعدده ووقته وصفته، والذي يتلو هذا الفعل من أفعال الحج - أعني طواف القدوم - هو السعي بين الصفا والمروة وهو الفعل الثالث للاحرام فلنقل فيه.
القول في السعي بين الصفا والمروة والقول في السعي وحكمه وفي صفته وفي شروطه وفي ترتيبه القول في حكمه:
أما حكمه، فقال مالك والشافعي، هو واجب، وإن لم يسع كان عليه حج قابل، وبه قال أحمد وإسحاق. وقال الكوفيون: سنة، وإذا رجع إلى بلاده ولم يسع كان عليه دم.
وقال بعضهم: هو تطوع ولا شئ على تاركه، فعمدة من أوجبه ما روي أن رسول الله (ص) كان يسعى ويقول: اسعوا فإن الله كتب عليكم السعي روى هذا الحديث الشافعي عن عبد الله بن المؤمل، وأيضا فإن الأصل أن أفعاله عليه الصلاة والسلام في هذه العبادة محمولة على الوجوب، إلا ما أخرجه الدليل من سماع أو إجماع أو قياس عند أصحاب القياس. وعمدة من لم يوجبه قوله تعالى: * (إن الصفا والمروة من شعائر الله، فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما) * قالوا: إن معناه أن لا يطوف وهي قراءة ابن مسعود، وكما قال سبحانه * (يبين الله لكم أن تضلوا) * معناه: أي لئلا تضلوا، وضعفوا حديث ابن المؤمل. وقالت عائشة: الآية على ظاهرها وإنما نزلت في الأنصار تحرجوا أن يسعوا بين الصفا والمروة على ما كانوا يسعون عليه في الجاهلية لأنه كان موضع ذبائح المشركين، وقد قيل إنهم كانوا لا يسعون بين الصفا والمروة تعظيما لبعض الأصنام، فسألوا عن ذلك فنزلت هذه الآية مبيحة لهم وإنما صار الجمهور إلى أنها من أفعال الحج، لأنها صفة فعله (ص) تواترت بذلك الآثار، أعني وصل السعي بالطواف.
القول في صفته:
وأما صفته فإن جمهور العلماء على أن من سنة السعي بين الصفا والمروة أن ينحدر الراقي على الصفا بعد الفراغ من الدعاء، فيمشي على جبلته حتى يبلغ بطن المسيل فيرمل فيه حتى يقطعه إلى ما يلي المروة، فإذا قطع ذلك وجاوزه مشى على سجيته حتى يأتي المروة فيرقى عليها حتى يبدو له البيت ثم يقول عليها نحوا مما قاله من الدعاء والتكبير على الصفا، وإن وقف أسفل المروة أجزأه عند جميعهم، ثم ينزل عن المروة فيمشي على