الباب الثاني: في معرفة من تجوز له هذه الطهارة وأما من تجوز له هذه الطهارة، فأجمع العلماء أنها تجوز لاثنين: للمريض وللمسافر إذا عدما الماء، واختلفوا في أربع: المريض يجد الماء ويخاف من استعماله، وفي الحاضر يعدم الماء وفي الصحيح المسافر يجد الماء، فيمنعه من الوصول إليه خوف، وفي الذي يخاف من استعماله من شدة البرد فأما المريض الذي يجد الماء ويخاف من استعماله، فقال الجمهور: يجوز التيمم له، وكذلك الصحيح الذي يخاف الهلاك، أو المرض الشديد من برد الماء، وكذلك الذي يخاف من الخروج إلى الماء، إلا أن معظمهم أوجب عليه الإعادة إذا وجد الماء. وقال عطاء: لا يتيمم المريض ولا غير المريض إذا وجد الماء، وأما الحاضر الصحيح الذي يعدم الماء، فذهب مالك والشافعي إلى جواز التيمم له وقال أبو حنيفة:
لا يجوز التيمم للحاضر الصحيح وإن عدم الماء. وسبب اختلافهم: في هذه المسائل الأربع التي هي قواعد هذا الباب، أما في المريض الذي يخاف من استعمال الماء، فهو اختلافهم هل في الآية محذوف مقدر في قوله تعالى: * (وإن كنتم مرضى أو على سفر) * فمن رأى أن في الآية حذفا، وأن تقدير الكلام وإن كنتم مرضى لا تقدرون على استعمال الماء، وأن الضمير في قوله تعالى: * (فلم تجدوا ماء) * إنما يعود على المسافر فقط أجاز التيمم للمريض الذي يخاف من استعمال الماء. ومن رأى أن الضمير في * (فلم تجدوا ماء) * يعود على المريض، والمسافر معا وأنه ليس في الآية حذف لم يجز للمريض إذا وجد الماء التيمم. وأما سبب اختلافهم في الحاضر الذي يعدم الماء فاحتمال الضمير الذي في قوله تعالى: * (فلم تجدوا ماء) * أن يعود على أصناف المحدثين: أعني الحاضرين والمسافرين أو على المسافرين فقط فمن رآه عائدا على جميع أصناف المحدثين أجاز التيمم للحاضرين ومن رآه عائدا على المسافرين فقط أو على المرضى والمسافرين لم يجز التيمم للحاضر الذي عدم الماء. وأما سبب اختلافهم في الخائف من الخروج إلى الماء فاختلافهم في قياسه على من عدم الماء. وكذلك اختلافهم في الصحيح يخاف من برد الماء، السبب فيه اختلافهم في قياسه على المريض الذي يخاف من استعمال الماء، وقد رجح مذهبهم القائلون بجواز التيمم للمريض بحديث جابر في المجروح الذي اغتسل فمات، فأجاز عليه الصلاة والسلام المسح له وقال: قتلوه قتلهم الله وكذلك رجحوا أيضا قياس الصحيح الذي يخاف من برد الماء على المريض بما روى أيضا في ذلك عن عمرو ابن العاص أنه أجنب في ليلة باردة، فتيمم، وتلا قول الله تعالى: * (ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما) * فذكر ذلك للنبي عليه الصلاة والسلام فلم يعنف.