الذي اختاره الأبهري تأولا على المذهب. ومنهم من فرق بين أن يكون فسقه بتأويل، أو يكون بغير تأويل مثل الذي يشرب النبيذ، ويتأول أقوال أهل العراق، فأجازوا الصلاة وراء المتأول، ولم يجيزوها وراء غير المتأول. وسبب اختلافهم في هذا: أنه شئ مسكوت عنه في الشرع، والقياس فيه متعارض، فمن رأى أن الفسق لما كان لا يبطل صحة الصلاة، ولم يكن يحتاج المأموم من إمامه إلا صحة صلاته فقط على قول من يرى أن الامام يحمل عن المأموم، أجاز إمامة الفاسق، ومن قاس الإمامة على الشهادة، واتهم الفاسق أن يكون يصلي صلاة فاسدة كما يتهم في الشهادة أن يكذب، لم يجز إمامته، ولذلك فرق قوم بين أن يكون فسقه بتأويل أو بغير تأويل، وإلى قريب من هذا يرجع من فرق بين أن يكون فسقه مقطوعا به، أو غير مقطوع به، لأنه إذا كان مقطوعا به، فكأنه غير معذور في تأويله. وقد رام أهل الظاهر أن يجيزوا إمامة الفاسق بعموم قوله عليه الصلاة والسلام: يؤم القوم أقرؤهم قالوا: فلم يستثن من ذلك فاسقا من غير فاسق، والاحتجاج بالعموم في غير المقصود ضعيف. ومنهم من فرق بين أن يكون فسقه في شروط صحة الصلاة، أو في أمور خارجة عن الصلاة بناء على أن الامام، إنما يشترط فيه وقوع صلاته صحيحة.
المسألة الرابعة: اختلفوا في إمامة المرأة، فالجمهور على أنه لا يجوز أن تؤم الرجال، واختلفوا في إمامتها النساء، فأجاز ذلك الشافعي ومنع ذلك مالك وشذ أبو ثور والطبري، فأجازا إمامتها على الاطلاق، وإنما اتفق الجمهور على منعها أن تؤم الرجال، لأنه لو كان جائزا لنقل ذلك عن الصدر الأول، ولأنه أيضا لما كانت سنتهن في الصلاة التأخير عن الرجال علم أنه ليس يجوز لهن التقدم عليهم لقوله عليه الصلاة والسلام:
أخروهن حيث أخرهن الله ولذلك أجاز بعضهم إمامتها النساء إذ كن متساويات في المرتبة في الصلاة، مع أنه أيضا نقل ذلك عن بعض الصدر الأول. ومن أجاز إمامتها، فإنما ذهب إلى ما رواه أبو داود من حديث أم ورقة: أن رسول الله (ص) كان يزورها في بيتها، وجعل لها مؤذنا يؤذن لها، وأمرها أن تؤم أهل دارها. وفي هذا الباب مسائل كثيرة:
أعني من اختلافهم في الصفات المشترطة في الامام تركنا ذكرها، لكونها مسكوتا عنها في الشرع. قال القاضي: وقصدنا في هذا الكتاب إنما هو ذكر المسائل المسموعة، أو ما له تعلق قريب بالمسموع.
وأما أحكام الامام الخاصة به فإن في ذلك أربع مسائل متعلقة بالسمع: إحداها:
هل يؤمن الامام إذا فرغ من قراءة أم القرآن؟ أم المأموم هو الذي يؤمن فقط؟ والثانية: متى يكبر تكبيرة الاحرام؟. والثالثة: إذا ارتج عليه هل يفتح عليه أم لا؟ والرابعة: هل يجوز أن يكون موضعه أرفع من موضع المأمومين؟ فأما هل يؤمن الامام إذا فرغ من قراءة أم الكتاب؟ فإن مالكا ذهب في رواية ابن القاسم عنه والمصريين أنه لا يؤمن. وذهب جمهور