يدخلها الاناء، فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده. وفي بعض رواياته: فليغسلها ثلاثا.
فمن لم ير بين الزيادة الواردة في هذا الحديث على ما في آية الوضوء معارضة، وبين آية الوضوء، حمل لفظ الامر ها ههنا على ظاهره من الوجوب، وجعل ذلك فرضا من فروض الوضوء، ومن فهم من هؤلاء من لفظ البيات نوم الليل، أوجب ذلك من نوم الليل فقط، ومن لم يفهم منه ذلك، وإنما فهم منه النوم فقط أوجب ذلك على كل مستيقظ من النوم نهارا أو ليلا، ومن رأى أن بين هذه الزيادة والآية تعارضا، إذ كان ظاهر الآية المقصود منه حصر فروض الوضوء، كان وجه الجمع بينهما عنده أن يخرج لفظ الامر عن ظاهره الذي هو الوجوب إلى الندب، ومن تأكد عنده هذا الندب لمثابرته عليه الصلاة والسلام على ذلك، قال: إنه من جنس السنن، ومن لم يتأكد عنده هذا الندب، قال: إن ذلك من جنس المندوب المستحب وهؤلاء غسل اليد عندهم بهذه الحال إذا تيقنت طهارتها: أعني من يقول إن ذلك سنة من يقول إنه ندب. ومن لم يفهم من هؤلاء من هذا الحديث علة توجب عنده أن يكون من باب الخاص أريد به العام، كان ذلك عنده مندوبا للمستيقظ من النوم فقط، ومن فهم منه علة الشك، وجعله من باب الخاص أريد به العام، كان ذلك عند للشاك، لأنه في معنى النائم. والظاهر من هذا الحديث أنه لم يقصد به حكم البدء في الوضوء، وإنما قصد به حكم الماء الذي يتوضأ به إذا كان الماء مشترطا فيه الطهارة، أما من نقل من غسله (ص) يديه قبل إدخالهما في الاناء في أكثر أحيانه، فيحتمل أن يكون من حكم اليد على أن يكون غسلها في الابتداء من أفعال الوضوء، ويحتمل أن يكون من حكم الماء، أعني أن لا ينجس أو يقع فيه شك إن قلنا إن الشك مؤثر.
المسألة الثالثة من الأركان: اختلفوا في المضمضة والاستنشاق في الوضوء على ثلاثة أقوال: قول إنهما سنتان في الوضوء، وهو قول مالك، والشافعي، وأبي حنيفة وقول إنهما فرض فيه، وبه قال ابن أبي ليلى وجماعة من أصحاب داود، وقول إن الاستنشاق فرض، والمضمضة سنة، وبه قال أبو ثور، وأبو عبيدة وجماعة من أهل الظاهر.
وسبب اختلافهم في كونها فرضا، أو سنة اختلافهم في السنن الواردة في ذلك، هل هي زيادة تقتضي معارضة آية الوضوء، أو لا تقتضي ذلك، فمن رأى أن هذه الزيادة إن حملت على الوجوب، اقتضت معارضة الآية، إذ المقصود من الآية تأصيل هذا الحكم، وتبيينه، أخرجها من باب الوجوب إلى باب الندب، ومن لم ير أنها تقتضي معارضة، حملها على الظاهر من الوجوب، ومن استوت عنده هذه الأقوال، والأفعال في حملها على الوجوب لم يفرق بين المضمضة، والاستنشاق، ومن كان عنده القول محمولا على الوجوب، والفعل محمولا على الندب فرق بين المضمضة والاستنشاق، وذلك أن المضمضة نقلت من فعله عليه الصلاة والسلام، ولم تنقل من أمره، وأما الاستنشاق فمن أمره عليه الصلاة والسلام