وقال آخرون: بل المحصر بالمرض. فأما من قال إن المحصر ههنا هو المحصر بالعدو فاحتجوا بقوله تعالى: * (فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه) * قالوا: فلو كان المحصر بمرض لما كان لذكر المرض بعد ذلك فائدة، واحتجوا أيضا بقوله سبحانه: * (فإذا أمنتم فمن تمتع بالعمرة إلى الحج) * وهذه حجة ظاهرة. ومن قال: إن الآية إنما وردت في المحصر بالمر ض فإنه زعم أن المحصر هو من أحصر، ولا يقال أحصر في العدو، وإنما يقال حصره العد وأحصره المرض، قالوا: وإنما ذكر المرض بعد ذلك لان المرض صنفان: صنف محصر وصنف غير محصر، وقالوا معنى قوله: * (فإذا أمنتم) * معناه من المرض. وأما الفريق الأول فقالوا عكس هذا، وهو أن أفعل أبدا وفعل في الشئ الواحد إنما يأتي لمعنيين: أما فعل فإذا أوقع بغيره فعلا من الأفعال وأما أفعل فإذا عرضه لوقوع ذلك الفعل به يقال: قتله إذا فعل به فعل القتل، وأقتله إذا عرضه للقتل، وإذا كان هذا هكذا فأحصر أحق بالعدو وحصر أحق بالمرض، لان العدو إنما عرض للاحصار، والمرض فهو فاعل الاحصار.
وقالوا: لا يطلق الامن إلا في ارتفاع الخوف من العدو وإن قيل في المرض فباستعارة ولا يصار إلى الاستعارة إلا لأمر يوجب الخروج عن الحقيقة، وكذلك ذكر حكم المريض بعد الحصر الظاهر منه أن المحصر غير المريض، وهذا هو مذهب الشافعي. والمذهب الثاني مذهب مالك وأبي حنيفة وقال قوم: بل المحصر ههنا الممنوع من الحج بأي نوع امتنع إما بمرض أو بعدو أو بخطأ في العدد أو بغير ذلك وجمهور العلماء على أن المحصر عن الحج ضربان: إما محصر بمرض وإما محصر بعدو. فأما المحصر بالعدو فاتفق الجمهور على أنه يحل من عمرته أو حجه حيث أحصر. وقال الثوري والحسن بن صالح لا يتحلل إلا في يوم النحر، والذين قالوا: يتحلل حيث أحصر اختلفوا في إيجاب الهدي عليه وفي موضع نحره إذا قيل بوجوبه وفي إعادة ما حصر عنه من حج أو عمرة، فذهب مالك إلى أنه لا يجب عليه هدي وأنه إن كان معه هدي نحره حيث حل وذهب الشافعي إلى إيجاب الهدي عليه، وبه قال أشهب. واشترط أبو حنيفة ذبحه في الحرم وقال الشافعي: حيثما حل. وأما الإعادة فإن مالكا يرى أن لا إعادة عليه. وقال قوم: عليه الإعادة وذهب أبو حنيفة إلى أنه إن كان أحرم بالحج عليه حجة وعمرة. وإن كان قارنا فعليه حج وعمرتان، وإن كان معتمرا قضى عمرته، وليس عليه عند أبي حنيفة ومحمد بن الحسن تقصير، واختار أبو يوسف تقصيره وعمدة مالك في أن لا إعادة عليه أن رسول الله (ص) حل هو وأصحابه بالحديبية، فنحروا الهدي وحلقوا رؤوسهم وحلوا من