ذو اليدين؟ فقالوا: نعم، فقام رسول الله (ص)، فصلى ركعتين أخريين، ثم سلم. ظاهره أن النبي (ص) تكلم، والناس معه، وأنهم بنوا بعد التكلم، ولم يقطع ذلك التكلم صلاتهم.
فمن أخذ بهذا الظاهر، ورأي أن هذا شئ يخص الكلام لاصلاح الصلاة، استثنى هذا من ذلك العموم، وهو مذهب مالك بن أنس. ومن ذهب إلى أنه ليس في الحديث دليل على أنهم تكلموا عمدا في الصلاة، وإنما يظهر منهم أنهم تكلموا، وهم يظنون أن الصلاة قد قصرت، وتكلم النبي عليه الصلاة والسلام، وهو يظن أن الصلاة قد تمت، ولم يصح عنده أن الناس قد تكلموا بعد قول رسول الله (ص): ما قصرت الصلاة، وما نسيت قال: إن المفهوم من الحديث، إنما هو إجازة الكلام لغير العامد. فإذن السبب في اختلاف مالك، والشافعي في المستثنى من ذلك العموم هو اختلافهم في مفهوم هذا الحديث، مع أن الشافعي اعتمد أيضا في ذلك أصلا عاما، وهو قوله عليه الصلاة والسلام: رفع عن أمتي الخطأ والنسيان. وأما أبو حنيفة، فحمل أحاديث النهي على عمومها، ورأي أنها ناسخة لحديث ذي اليدين، وأنه متقدم عليها.
الباب الثامن: في معرفة النية، وكيفية اشتراطها في الصلاة وأما النية: فاتفق العلماء على كونها شرطا في صحة الصلاة، لكون الصلاة هي رأس العبادات التي وردت في الشرع لغير مصلحة معقولة: أعني من المصالح المحسوسة.
واختلفوا هل من شرط نية المأموم أن توافق نية الامام في تعيين الصلاة وفي الوجوب حتى لا يجوز أن يصلي المأموم ظهرا بإمام يصلي عصرا؟ ولا يجوز أن يصلي الامام ظهرا يكون في حقه نفلا، وفي حق المأموم فرضا؟ فذهب مالك وأبو حنيفة: إلى أنه يجب أن توافق نية المأموم نية الامام. وذهب الشافعي إلى أنه ليس يجب. والسبب في اختلافهم:
معارضة مفهوم قوله عليه الصلاة والسلام: إنما جعل الامام ليؤتم به لما جاء في حديث معاذ من: أنه كان يصلي مع النبي (ص) ثم يصلي بقومه. فمن رأى ذلك خاصا لمعاذ وأن عموم قوله عليه الصلاة والسلام: إنما جعل الامام ليؤتم به يتناول النية، اشترط موافقة نية الامام للمأموم. ومن رأى أن الإباحة لمعاذ في ذلك، هي إباحة لغيره من سائر المكلفين - وهو الأصل - قال: لا يخلو الامر في ذلك الحديث الثاني من أحد أمرين: إما أن يكون ذلك العموم الذي فيه لا يتناول النية لان ظاهره إنما هو في الأفعال، فلا يكون بهذا الوجه معارضا لحديث معاذ، وإما أن يكون يتناولها، فيكون حديث معاذ قد خصص في ذلك العموم. وفي النية مسائل ليس لها تعلق بالمنطوق به من الشرع رأينا تركها، إذ كان غرضنا على القصد الأول إنما هو الكلام في المسائل التي تتعلق بالمنطوق به من الشرع.