(من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين) " حديث شريف " بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد حمد الله بجميع محامده، والصلاة السلام على محمد رسوله وآله وأصحابه، فإن غرضي في هذا الكتاب أن أثبت (1) فيه لنفسي على جهة التذكرة من مسائل الاحكام المتفق عليها والمختلف فيها بأدلتها، والتنبيه على نكث الخلاف فيها، ما يجري مجرى الأصول القواعد لما عسى أن يرد على المجتهد من المسائل المسكوت عنها في الشرع، وهذه المسائل في الأكثر هي المسائل المنطوق بها في الشرع أو تتعلق به تعلقا قريبا، وهي المسائل التي وقع الاتفاق عليها، أو اشتهر الخلاف فيها بين الفقهاء الاسلاميين من لدن الصحابة رضي الله عنهم إلى فشا التقليد.
وقبل ذلك، فلنذكر كم أصناف الطرق التي تتلقى منها الأحكام الشرعية، وكم أصناف الأحكام الشرعية، وكم أصناف الأسباب التي أوجبت الاختلاف بأوجز ما يمكننا في ذلك. فنقول:
إن الطرق التي منا تلقت الاحكام عن النبي عليه الصلاة والسلام بالجنس ثلاثة:
إما لفظ، وإما فعل، وإما إقرار. وأما ما سكت عنه الشارع من الاحكام، فقال الجمهور:
إن طريق الوقوف عليه هو القياس. وقال أهل الظاهر: القياس في الشرع باطل. وما سكت عنه الشارع فلا حكم له ودليل العقد يشهد بثبوته، وذلك أن الوقائع بين أشخاص الأناسي غير متناهية، والنصوص، والأفعال، والاقرارات متناهية، ومحال أن يقابل ما لا يتناهى بما يتناهى. وأصناف الألفاظ التي تتلقى منها الاحكام من السمع أربعة: ثلاثة متفق عليها، ورابع مختلف فيه. أما الثلاثة المتفق عليها فلفظ عام يحمل على عمومه، أو خاص يحمل على خصوصه، أو لفظ عام يراد به الخصوص، أو لفظ خاص يراد به العموم، وفي هذا يدخل التنبيه بالأعلى على الأدنى، وبالأدنى على الأعلى، وبالمساوي على المساوي،