وأما المسألة الرابعة: وهي متى تجب الجزية؟ فإنهم اتفقوا على أنها لا تجب إلا بعد الحول، وأنه تسقط عنه إذا أسلم قبل انقضاء الحول، واختلفوا إذا أسلم بعد ما يحول عليه الحول هل تؤخذ منه جزية للحول الماضي بأسره أو لما مضى منه؟ فقال قوم: إذا أسلم فلا جزية عليه بعد انقضاء الحول كان بعد إسلامه أو قبل انقضائه، وبهذا القول قال الجمهور، وقالت طائفة: إن أسلم بعد الحول وجبت عليه الجزية، وإن أسلم قبل حلول الحول لم تجب عليه، وإنهم اتفقوا على أنه لا تجب عليه قبل انقضاء الحول، لان الحول، شرط في وجوبها، فإذا وجد الرافع لها وهو الاسلام قبل تقرر الوجوب، أعني قبل وجود شرط الوجوب لم تجب، وإنما اختلفوا بعد انقضاء الحول لأنها قد وجبت، فمن رأى أن الاسلام يهدم هذا الواجب في الكفر كما يهدم كثيرا من الواجبات قال: تسقط عنه وإن كان إسلامه بعد الحول، ومن رأى أنه لا يهدم الاسلام هذا الواجب كما لا يهدم كثيرا من الحقوق المرتبة مثل الديون وغير ذلك قال: لا تسقط بعد انقضاء الحول. فسبب اختلافهم: هو هل الاسلام يهدم الجزية الواجبة أو لا يهدمها.
وأما المسألة الخامسة: وهي كم أصناف الجزية؟ فإن الجزية عندهم ثلاثة أصناف:
جزية عنوية: وهي هذه التي تكلمنا فيها، أعني التي تفرض على الحربيين بعد غلبتهم.
وجزية صلحية: وهي التي يتبرعون بها ليكف عنهم، وهذه ليس فيها توقيت لا في الواجب، ولا فيمن يجب عليه ولا متى يجب عليه وإنما ذلك كله راجع إلى الاتفاق الواقع في ذلك بين المسلمين وأهل الصلح إلا أن يقول قائل: إنه إن كان قبول الجزية الصلحية واجبا على المسلمين فقد يجب أن يكون ههنا قدر ما إذا أعطاه من أنفسهم الكفار وجب على المسلمين قبول ذلك منهم فيكون أقلها محدودا وأكثرها غير محدود. وأما الجزية الثالثة فهي العشرية: وذلك أن جمهور العلماء على أنه ليس على أهل الذمة عشر ولا زكاة أصلا في أموالهم إلا ما روي عن طائفة منهم أنهم ضاعفوا الصدقة على نصارى بني تغلب، أعني أنهم أوجبوا إعطاء ضعف ما على المسلمين من الصدقة في شئ شئ من الأشياء التي تلزم فيها المسلمين الصدقة. وممن قال بهذا القول الشافعي وأبو حنيفة وأحمد والثوري، وهو فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه بهم، وليس يحفظ عن مالك في ذلك نص فيما حكوا، وقد تقدم ذلك في كتاب الزكاة. واختلفوا هل يجب العشر عليهم في الأموال التي يتجرون بها إلى بلاد المسلمين بنفس التجارة أو الاذن إن كانوا حربيين أم لا تجب إلا بالشرط؟ فرأى مالك وكثير من العلماء أن تجار أهل الذمة الذين لزمتهم بالاقرار في بلدهم الجزية يجب أن يؤخذ منهم مما يجلبونه من بلد إلى بلد العشر، إلا ما يسوقون إلى المدينة خاصة فيؤخذ منه فيه نصف العشر. ووافقه أبو حنيفة في وجوبه بالاذن في التجارة أو بالتجارة نفسها وخالفه في القدر فقال: الواجب عليهم نصف العشر. ومالك