ووجبت المقايسة أيضا بين قوة الألفاظ، وقوة الأوامر، ولعسر انضباط هذه الأشياء قيل:
إن كل مجتهد مصيب، أو أقل ذلك غير مأثوم.
المسألة الرابعة: اختلفوا فيمن جاء يوم الجمعة والامام على المنبر هل يركع أم لا؟
فذهب بعض إلى أنه لا يركع، وهو مذهب مالك وذهب بعضهم إلى أنه يركع. والسبب في اختلافهم: معارضة القياس لعموم الأثر، وذلك أن عموم قوله عليه الصلاة والسلام:
إذا جاء أحدك المسجد، فليركع ركعتين يوجب أن يركع الداخل في المسجد يوم الجمعة وإن كان الامام يخطب، والامر بالانصات إلى الخطيب يوجب دليله أن لا يشتغل بشئ مما يشغل عن الانصات وإن كان عبادة. ويؤيد عموم هذا الأثر ما ثبت من قوله عليه الصلاة والسلام: إذا جاء أحدكم المسجد والامام يخطب، فليركع ركعتين خفيفتين خرجه مسلم، وفي بعض رواياته، وأكثر رواياته: أن النبي عليه الصلاة والسلام أمر الرجل الداخل أن يركع ولم يقل: إذا جاء أحدكم الحديث. فيتطرق إلى هذا الخلاف في: هل تقبل زيادة الراوي الواحد إذا خالفه أصحابه عن الشيخ الأول الذي اجتمعوا في الرواية عنه أم لا؟ فإن صحت الزيادة وجب العمل بها، فإنها نص في موضوع الخلاف، والنص لا يجب أن يعارض بالقياس لكن يشبه أن يكون الذي راعاه مالك في هذا هو العمل.
المسألة الخامسة: أكثر الفقهاء على أن من سنة القراءة في صلاة الجمعة قراءة سورة الجمعة في الركعة الأولى لما تكرر ذلك من فعله عليه الصلاة والسلام، وذلك أنه خرج مسلم عن أبي هريرة: أن رسول الله (ص) كان يقرأ في الركعة الأولى بالجمعة، وفي الثانية بإذا جاءك المنافقون وروى مالك: أن الضحاك بن قيس سأل النعمان بن بشير ماذا كان يقرأ به رسول الله (ص) يوم الجمعة على أثر سورة الجمعة؟ قال: كان يقرأ ب * (هل أتاك حديث الغاشية) *. واستحب مالك العمل على هذا الحديث وإن قرأ عنده بسبح اسم ربك الأعلى كان حسنا، لأنه مروي عن عمر بن عبد العزيز، وأما أبو حنيفة فلم يقف فيها شيئا. والسبب في اختلافهم: معارضة حال الفعل للقياس، وذلك أن القياس يوجب أن لا يكون لها سورة راتبة كالحال في سائر الصلوات، ودليل الفعل يقتضي أن يكون لها النعمان بن بشير: أن رسول الله (ص) كان يقرأ في العيدين وفي الجمعة بسبح اسم ربك الأعلى، وهل أتاك حديث الغاشية. قال: فإذا اجتمع العيد، والجمعة فيوم واحد قرأ بهما في الصلاتين، وهذا يدل على أنه ليس هناك سورة راتبة، وأن الجمعة ليس كان يقرأ بها دائما.