قبل من أن بعض الناس يرى أن الأصل في أفعاله (ص) أن تحمل على الوجوب حتى يدل الدليل على غير ذلك، ومنهم من يرى أن الأصل أن لا يزاد فيما صح بدليل واضح من قول ثابت، أو إجماع أنه من فرائض الصلاة إلا بدليل واضح. وقد تقدم هذا من قولنا، ولا معنى لتكرير الشئ الواحد مرات كثيرة. وأما الحد الذي ترفع إليه اليدان فذهب بعضهم إلى أنه المنكبان وبه قال مالك والشافعي وجماعة، وذهب بعضهم إلى رفعها إلى الاذنين وبه قال أبو حنيفة وذهب بعضهم إلى رفعها إلى الصدر. وكل ذلك مروي عن النبي (ص)، إلا أن أثبت ما في ذلك. أنه كان يرفعهما حذو منكبيه وعليه الجمهور والرفع إلى الاذنين أثبت من الرفع إلى الصدر، وأشهر.
المسألة الثانية: ذهب أبو حنيفة إلى أن الاعتدال من الركوع، وفي الركوع، غير واجب وقال الشافعي: هو واجب واختلف أصحاب مالك هل ظاهر مذهبه يقتضي أن في ذلك. والسبب في اختلافهم: هل الواجب الاخذ ببعض ما ينطلق عليه الاسم أم بكل ذلك الشئ الذي ينطلق عليه الاسم، فمن كان الواجب عنده الاخذ ببعض ما ينطلق عليه الاسم: لم يشترط الاعتدال في الركوع، ومن كان الواجب عنده الاخذ بالكل، اشترط الاعتدال. وقد صح عن النبي (ص) أنه قال في الحديث المتقدم للرجل الذي علمه فروض الصلاة: اركع حتى تطمئن راكعا، وارفع حتى تطمئن رافعا فالواجب اعتقاد كونه فرضا، وعلى هذا الحديث عول كل من رأى أن الأصل لا تحمل أفعاله عليه الصلاة والسلام في سائر أفعال الصلاة، مما لم ينص عليها في هذا الحديث على الوجوب حتى يدل الدليل على ذلك، ومن قبل هذا لم يروا رفع اليدين فرضا ولا ما عدا تكبيرة الاحرام والقراءة من الأقاويل التي في الصلاة فتأمل هذا، فإنه أصل مناقض للأصل الأول، وهو سبب الخلاف في أكثر هذه المسائل.
المسألة الثالثة: اختلف الفقهاء في هيئة الجلوس فقال مالك وأصحابه ويفضي بأليتيه إلى الأرض، وينصب رجله اليمنى ويثني اليسرى، وجلوس المرأة عنده كجلوس الرجل وقال أبو حنيفة وأصحابه: ينصب الرجل اليمنى، ويقعد على اليسرى وفرق الشافعي بين الجلسة الوسطى، والأخيرة، فقال في الوسطى بمثل قول أبي حنيفة وفي الأخيرة بمثل قول مالك. وسبب اختلافهم في ذلك: تعارض الآثار، وذلك أن في ذلك ثلاثة آثار: أحدها: وهو ثابت باتفاق حديث أبي حميد الساعدي الوارد في وصف صلاته عليه الصلاة والسلام. وفيه: وإذا جلس في الركعتين، جلس على رجله اليسرى، ونصب اليمنى، وإذا جلس في الركعة الأخيرة قدم رجله اليسرى، ونصب اليمنى، وقعد على مقعدته. والثاني: حديث وائل بن حجر، وفيه أنه كان إذا قعد في الصلاة نصب اليمنى، , أنه قال: إنما سنة الصلاة أن تنصب رجلك اليمنى وتثني اليسرى وهو يدخل في المسند لقوله فيه: إنما سنة