أسقطت العبادة عن الميت، سقط شرطها الذي هو الوضوء، ولولا أن الغسل ورد في الآثار، لما وجب غسله. وظاهر حديث أم عطية الثابت أن الوضوء شرط في غسل الميت، لان فيه أن رسول الله (ص) قال في غسل ابنته: ابدأن بميامنها، ومواضع الوضوء منها وهذه الزيادة ثابتة خرجها البخاري ومسلم. ولذلك يجب أن تعارض بالروايات التي فيها الغسل مطلقا لان المقيد يقضي على المطلق، إذ فيه زيادة على ما يراه كثير من الناس، ويشبه أيضا أن يكون من أسباب الخلاف في ذلك معارضة المطلق للمقيد، وذلك أنه وردت آثار كثيرة فيها الامر بالغسل مطلقا من غير ذكر وضوء فيها، فهؤلاء رجحوا الاطلاق على التقييد لمعارضة القياس له في هذا الموضع، والشافعي جرى على الأصل من حمل المطلق على المقيد.
المسألة الثالثة: اختلفوا في التوقيت في الغسل، فمنهم من أوجبه ومنهم من استحسنه، واستحبه. والذين أوجبوا التوقيت منهم من أوجب الوتر، أي وتر كان، وبه قال ابن سيرين ومنهم من أوجب الثلاثة فقط، وهو أبو حنيفة ومنهم من حد أقل الوتر في ذلك فقال لا ينقص عن الثلاثة، ولم يحد الأكثر، وهو الشافعي، ومنهم من حد الأكثر في ذلك، فقال: لا يتجاوز به السبعة، وهو أحمد بن حنبل، وممن قال باستحباب الوتر ولم يحد فيه حدا: مالك بن أنس وأصحابه. وسبب الخلاف: بين من شرط التوقيت، ومن لم يشترطه، بل استحبه معارضة القيا س للأثر، وذلك أن ظاهر حديث أم عطية يقتضي التوقيت، لان فيه: اغسلنها ثلاثا أو خمسا أو أكثر من ذلك إن رأيتن وفي بعض ر وآياته: أو سبعا. وأما قياس الميت على الحي في الطهارة، فيقتضي أن لا توقيت فيها، كما ليس في طهارة الحي توقيت. فمن رجح الأثر على النظر، قال بالتوقيت. ومن رأى الجمع بين الأثر والنظر حمل التوقيت على الاستحباب. وأما الذين اختلفوا في التوقيت، فسبب اختلافهم اختلاف ألفاظ الروايات في ذلك عن أم عطية. فأما الشافعي، فإنه رأى أن لا ينقص عن ثلاثة، لأنه أقل وتر نطق به في حديث أم عطية، ورأي أن ما فوق ذلك مباح، لقوله عليه الصلاة والسلام: أو أكثر من ذلك إن رأيتن وأما أحمد فأخذ بأكثر وتر نطق به في بعض روايات الحديث، وهو قوله عليه الصلاة والسلام أو سبعا. وأما أبو حنيفة، فصار في قصره الوتر على الثلاث، لما روي أن محمد بن سيرين كان يأخذ الغسل عن أم عطية ثلاثا يغسل بالسدر مرتين، والثالثة بالماء والكافور، وأيضا، فإن الوتر الشرعي عنده إنما ينطلق على الثلاث فقط. وكان مالك يستحب أن يغسل في الأولى بالماء القراح، وفي الثانية بالسدر وفي الثالثة بالماء والكافور. واختلفوا إذا خرج من بطنه حدث، هل يعاد غسله أم لا؟ فقيل: لا يعاد، وبه قال مالك، وقيل: يعاد والذين رأوا أنه يعاد اختلفوا في العدد الذي تجب به الإعادة إن تكرر خروج الحدث. فقيل: يعاد الغسل عليه واحدة، وبه قال