المسألة الأولى: اختلف العلماء في دخول المسجد للجنب على ثلاثة أقوال: فقوم منعوا ذلك بإطلاق وهو مذهب مالك وأصحابه وقوم منعوا ذلك إلا لعابر فيه لا مقيم، ومنهم الشافعي وقوم أباحوا ذلك للجميع، ومنهم داود وأصحابه فيما أحسب. وسبب اختلاف الشافعي وأهل الظاهر هو تردد قوله تبارك وتعالى: * (يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى) * الآية. بين أن يكون في الآية مجاز حتى يكون هناك محذوف مقدر وهو موضع الصلاة: أي لا تقربوا موضع الصلاة، ويكون عابر السبيل استثناء من النهي عن قرب موضع الصلاة، وبين ألا يكون هنالك محذوف أصلا وتكون الآية على حقيقتها ويكون عابر السبيل هو المسافر الذي عدم الماء وهو جنب. فمن رأى أن في الآية محذوفا أجاز المرور للجنب في المسجد، ومن لم ير ذلك لم يكن عنده في الآية دليل على منع الجنب الإقامة في المسجد، وأما من منع العبور في المسجد، فلا أعلم له دليلا إلا ظاهر ما روي عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: ولا أحل المسجد لجنب ولا حائض وهو حديث غير ثابت عند أهل الحديث، واختلافهم في الحائض في هذا المعنى هو اختلافهم في الجنب.
المسألة الثانية: مس الجنب المصحف: ذهب قوم إلى إجازته، وذهب الجمهور إلى منعه وهم الذين منعوا أن يمسه غير متوضئ. وسبب اختلافهم: هو سبب اختلافهم في منع غير المتوضئ أن يمسه أعني قوله تعالى: * (لا يمسه إلا المطهرون) * وقد ذكرنا سبب الاختلاف في الآية فيما تقدم، وهو بعينه سبب اختلافهم في منع الحائض مسه.
المسألة الثالثة: قراءة القرآن للجنب. اختلف الناس في ذلك، فذهب الجمهور إلى منع ذلك، وذهب قوم إلى إباحته. السبب في ذلك الاحتمال المتطرق إلى حديث على أنه قال: كان عليه الصلاة والسلام لا يمنعه من قراءة القرآن شئ إلا الجنابة وذلك أن قوما قالوا: إن هذا لا يوجب شيئا، لأنه ظن من الراوي، ومن أين يعلم أحد أن ترك القراءة كان لموضع الجنابة إلا لو أخبره بذلك؟ والجمهور رأوا أنه لم يكن علي رضي الله عنه ليقول هذا عن توهم ولا ظن وإنما قاله عن تحقق. وقوم جعلوا الحائض في هذا الاختلاف بمنزلة الجنب، وقوم فرقوا بينهما، فأجازوا للحائض القراءة القليلة - استحسانا - لطول مقامها حائضا، وهو مذهب مالك. فهذه هي أحكام الجنابة.
وأما أحكام الدماء الخارجة من الرحم: فالكلام المحيط بأصولها ينحصر في ثلاثة أبواب: الأول: معرفة أنواع الدماء الخارجة من الرحم. والثاني: معرفة العلامات التي تدل