قوم من أصحاب مالك هذا المذهب فقالوا: إن التيمم لا يرفع الحدث، لأنه لو رفعه لم ينقضه إلا الحدث. والجواب أن هذه الطهارة وجود الماء في حقها هو حدث خاص بها على القول بأن الماء ينقضهما، واتفق القائلون بأن وجود الماء ينقضها على أنه ينقضها قبل الشروع في الصلاة وبعد الصلاة، واختلفوا هل ينقضها طروه في الصلاة؟ فذهب مالك والشافعي وداود إلى أنه لا ينقض الطهارة في الصلاة وذهب أبو حنيفة وأحمد وغيرهما إلى أنه ينقض الطهارة في الصلاة وهم أحفظ للأصل، لأنه أمر غير مناسب للشرع أن يوجد شئ واحد لا ينقض الطهارة في الصلاة وينقضها في غير الصلاة، وبمثل هذا شنعوا على مذهب أبي حنيفة فيما يراه من أن الضحك في الصلاة ينقض الوضوء، مع أنه مستند في ذلك إلى الأثر. فتأمل هذه المسألة فإنها بينة، ولا حجة في الظواهر التي يرام الاحتجاج بها لهذا المذهب من قوله تعالى: * (ولا تبطلوا أعمالكم) * فإن هذا لم يبطل الصلاة بإرادته، وإنما أبطلها طرو الماء كما لو أحدث.
الباب السابع: في الأشياء التي هذه الطهارة شرط في صحتها، أو في استباحتها واتفق الجمهور على أن الأفعال التي هذه الطهارة شرط في صحتها هي الأفعال التي الوضوء شرط في صحتها من الصلاة ومس المصحف وغير ذلك. واختلفوا هل يستباح بها أكثر من صلاة واحدة فقط؟ فمشهور مذهب مالك أنه لا يستباح بها صلاتان مفروضتان أبدا واختلف قوله في الصلاتين المقضيتين، والمشهور عنه أنه إذا كانت إحدى الصلاتين فرضا والأخرى نفلا أنه إن قدم الفرض جمع بينهما، وإن قدم النفل لم يجمع بينهما. وذهب أبو حنيفة إلى أنه يجوز الجمع بين صلوات مفروضة بتيمم واحد وأصل هذا الخلاف: هو هل التيمم لكل صلاة أم لا؟ إما من قبل ظاهر الآية كما تقدم، وإما من قبل وجوب تكرار الطلب، وإما من كليهما.