إنما ورد لتمييز الجنس، أعني أهل الصدقات لا تشريكهم في الصدقة، فالأول أظهر من جهة اللفظ، وهذا أظهر من جهة المعنى. ومن الحجة للشافعي ما رواه أبو داود عن الصدائي أن رجلا سأل النبي (ص) أن يعطيه من الصدقة، فقال له رسول الله (ص): إن الله لم يرض بحكم نبي، ولا غيره في الصدقات حتى حكم فيها، فجزأها ثمانية أجزاء فإن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك حقك.
وأما المسألة الثانية: فهل المؤلفة قلوبهم حقهم باق إلى اليوم، أم لا؟ فقال مالك:
لا مؤلفة اليوم وقال الشافعي وأبو حنيفة: بل حق المؤلفة باق إلى اليوم، إذا رأى الامام ذلك، وهم الذين يتألفهم الامام على الاسلام. وسبب اختلافهم: هل ذلك خاص بالنبي (ص)، أو عام له، ولسائر الأمة؟ والأظهر أنه عام، وهل يجوز ذلك للامام في كل أحواله، أو في حال دون حال؟ أعني في حال الضعف، لا في حال القوة، ولذلك قال مالك:
لا حاجة إلى المؤلفة الآن لقوة الاسلام، وهذا كما قلنا التفات منه إلى المصالح.
الفصل الثاني: في الصفة التي تقتضي صرفها إليهم وأما صفاتهم التي يستوجبون بها الصدقة، ويمنعون منها بأضدادها: فأحدها الفقر الذي هو ضد الغنى لقوله تعالى: * (إنما الصدقات للفقراء والمساكين..) *. واختلفوا في الغني الذي تجوز له الصدقة من الذي لا تجوز، وما مقدار الغنى المحرم للصدقة. فأما الغني الذي لا تجوز له الصدقة فإن الجمهور على أنه لا تجوز الصدقة للأغنياء بأجمعهم إلا للخمس الذين نص عليهم النبي عليه الصلاة والسلام في قوله: لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة: لغاز في سبيل الله، أو لعامل عليها، أو لغارم، أو لرجل له جار مسكين، فتصدق على المسكين، فأهدى المسكين للغني. وروي عن ابن القاسم أنه لا يجوز أخذ الصدقة لغني أصلا مجاهدا كان أو عاملا. والذين أجازوها للعامل، وإن كان غنيا، أجازوها للقضاة ومن في معناهم ممن المنفعة بهم عامة للمسلمين ومن لم يجز ذلك فقياس ذلك عنده هو أن لا تجوز لغني أصلا. وسبب اختلافهم: هو هل العلة في إيجاب الصدقة للأصناف المذكورين هو الحاجة فقط، أو الحاجة، والمنفعة العامة؟ فمن اعتبر ذلك بأهل الحاجة المنصوص عليهم في الآية قال: الحاجة فقط، ومن قال: الحاجة، والمنفعة العامة توجب أخذ الصدقة اعتبر المنفعة للعامل، والحاجة بسائر الأصناف المنصوص عليهم. وأما حد الغني الذي يمنع من الصدقة، فذهب الشافعي إلى أن المانع من الصدقة، هو أقل ما ينطلق عليه الاسم. وذهب أبو حنيفة إلى أن الغني هو مالك النصاب، لأنهم الذين سماهم النبي