اسم الغائط الذي هو أدل على الحدث الذي هو فيه مجاز، منه على المطمئن من الأرض الذي هو فيه حقيقة، والذي أعتقده أن اللمس وإن كانت دلالته على المعنيين بالسواء، أو قريبا من السواء أنه أظهر عندي في الجماع، وإن كان مجازا، لان الله تبارك وتعالى قد كنى بالمباشرة والمس عن الجماع، وهما في معنى اللمس، وعلى هذا التأويل في الآية يحتج بها في إجازة التيمم للجنب دون تقدير تقديم فيها، ولا تأخير على ما سيأتي بعد، وترتفع المعارضة التي بين الآثار والآية على التأويل الاخر. وأما من فهم من الآية اللمسين معا فضعيف، فإن العرب إذا خاطبت بالاسم المشترك إنما تقصد به معنى واحدا من المعاني التي يدل عليها الاسم، لا جميع المعاني التي يدل عليها، وهذا بين بنفسه في كلامهم.
المسألة الرابعة: مس الذكر: اختلف العلماء فيه على ثلاثة مذاهب: فمنهم من رأى الوضوء فيه كيفما مسه، وهو مذهب الشافعي وأصحابه، وأحمد، وداود ومنهم من لم ير فيه وضوءا أصلا، وهو أبو حنيفة وأصحابه ولكلا الفريقين سلف من الصحابة والتابعين. وقوم فرقوا بين أن يمسه بحال، أو لا يمسه بتلك الحال، وهؤلاء افترقوا فيه فرقا: فمنهم من فرق فيه بين أن يلتذ، أو لا يلتذ، ومنهم من فرق بين أن يمسه بباطن الكف، أو لا يمسه، فأوجبوا الوضوء مع اللذة، ولم يوجبوه مع عدمها، وكذلك أوجبه قوم مع المس بباطن الكف، ولم يوجبوه مع المس بظاهرها، وهذان الاعتبار ان مرويان عن أصحاب مالك، وكأن اعتبار باطن الكف راجع إلى اعتبار سبب اللذة. وفرق قوم في ذلك بين العمد، والنسيان، فأوجبوا الوضوء منه مع العمد، ولم يوجبوه مع النسيان. وهو مروي عن مالك وهو قول داود وأصحابه. ورأي قوم أن الوضوء من مسه سنة لا واجب. قال أبو عمر: وهذا الذي استقر من مذهب مالك عند أهل المغرب من أصحابه والرواية عنه فيه مضطربة. وسبب اختلافهم في ذلك: أن فيه حديثين متعارضين: أحدهما الحديث الوارد عن طريق بسرة انها سمعت رسول الله (ص) يقول إذا مس أحدكم ذكره، فليتوضأ وهو أشهر الأحاديث الواردة في إيجاب الوضوء من مس الذكر، خرجه مالك في الموطأ، وصححه يحيى بن معين وأحمد بن حنبل، وضعفه أهل الكوفة، وقد روي أيضا معناه من طريق أم حبيبة، وكان أحمد بن حنبل يصححه، وقد روي أيضا معناه من طريق أبي هريرة، وكان ابن السكن أيضا يصححه، ولم يخرجه البخاري ولا مسلم. والحديث الثاني المعارض له حديث طلق بن علي قال: قدمنا على رسول الله (ص) وعنده رجل كأنه بدوي، فقال: يا رسول الله ما ترى في مس الرجل ذكره بعد أن يتوضأ؟ فقال: وهل هو إلا بضعة منك؟ خرجه أبو داود والترمذي وصححه كثير من أهل العلم الكوفيون وغيرهم، فذهب العلماء في تأويل هذه الأحاديث