مع النسيان فلا حجة له، إلا أن يشبه الجزاء عند إتلاف الصيد بإتلاف الأموال، فإن الأموال عند الجمهور تضمن خطا ونسيانا. لكن يعارض هذا القياس اشتراط العمد في وجوب الجزاء، فقد أجاب بعضهم عن هذا: أي العمد إنما اشترط لمكان تعلق العقاب المنصوص عليه في قوله تعالى: * (ليذوق وبال أمره) * وذلك لا معنى له لان الوبال المذوق هو في الغرامة فسواء قتله مخطئا أو متعمدا قد ذاق الوبال، ولا خلاف أن الناسي غير معاقب، وأكثر ما تلزم هذه الحجة لمن كان من أصله أن الكفارات لا تثبت بالقياس، فإنه لا دليل لمن أثبتها على الناسي إلا القياس. وأما اختلافهم في المثل هل هو الشبيه أو المثل في القيمة، فإن سبب الاختلاف أن المثل يقال على الذي هو مثل وعلى الذي هو مثل في القيمة، لكن حجة من رأى أن الشبيه أقوى من جهة دلالة اللفظ أن انطلاق لفظ المثل على الشبيه في لسان العرب أظهر، وأظهر منه على المثل في القيمة، لكن لمن حمل ههنا المثل على القيمة دلائل حركته إلى اعتقاد ذلك: أحدها أن المثل الذي هو العدل هو منصوص عليه في الاطعام والصيام. وأيضا فإن المثل إذا حمل ههنا على التعديل كان عاما في جميع الصيد، فإن من الصيد ما لا يلقى له شبيه، وأيضا فإن المثل فيما لا يوجد له شبيه هو التعديل، وليس يوجد للحيوان المصيد في الحقيقة شبيه إلا من جنسه، وقد نص أن المثل الواجب فيه هو من غير جنسه، فوجب أن يكون مثله في التعديل والقيمة، وأيضا فإن الحكم في الشبيه قد فرغ منه. فأما الحكم بالتعديل فهو شئ يختلف باختلاف الأوقات، ولذلك هو كل وقت يحتاج إلى الحكمين المنصوص عليهما، وعلى هذا يأتي التقدير في الآية بمشابه، فكأنه قال: ومن قتله منكم متعمدا فعليه قيمة ما قتل من النعم أو عدل القيمة طعاما أو عدل ذلك صياما. وأما اختلافهم هل المقدر هو الصيد أو مثله من النعم إذا قدر بالطعام، فمن قال المقدر هو الصيد قال: لأنه الذي لما لم يوجد مثله رجع إلى تقديره بالطعام، ومن قال إن المقدر هو الواجب من النعم قال: لان الشئ إنما تقدر قيمته إذا عدم بتقدير مثله أعني شبيه. وأما من قال إن الآية على التخيير فإنه التفت إلى حرف أو إذ كان مقتضاها في لسان العرب التخيير. وأما من نظر إلى ترتيب الكفارات في ذلك فشبهها في الكفارات التي فيها الترتيب باتفاق، وهي كفارة الظهار والقتل. وأما اختلافهم في هل يستأنف الحكم في الصيد الواحد الذي قد وقع الحكم فيه من الصحابة. فالسبب في اختلافهم: هو هل الحكم شرعي غير معقول المعنى أم هذا معقول المعنى؟ فمن قال هو معقول المعنى قال: ما قد حكم فيه فليس يوجد شئ أشبه به منه، مثل النعامة فإنه لا يوجد أشبه بها من البدنة فلا معنى لإعادة الحكم، ومن قال
(٢٨٨)