الجمع بينهما، حمل حديث النهي على الكراهة، وحديث الاحتجام على رفع الحظر، ومن أسقطهما للتعارض، قال بإباحة الاحتجام للصائم. وأما القئ، فإن جمهور الفقهاء على أن من ذرعه القئ، فليس بمفطر إلا ربيعة، فإنه قال إنه مفطر. وجمهورهم أيضا على أن من استقاء، فقاء، فإنه مفطر إلا طاووس. وسبب اختلافهم: ما يتوهم من التعارض بين الأحاديث الواردة في هذه المسألة، واختلافهم أيضا في تصحيحها، وذلك أنه ورد في هذا الباب حديثان: أحدهما حديث أبي الدرداء أن رسول الله (ص) قاء، فأفطر قال معدان: فلقيت ثوبان في مسجد دمشق، فقلت له: إن أبا الدرداء حدثني أن رسول الله (ص) قاء، فأفطر، قال: صدق أنا صببت له وضوءه وحديث ثوبان هذا صححه الترمذي والآخر حديث أبي هريرة أخرجه الترمذي، وأبو داود أيضا أن النبي عليه الصلاة والسلام قال من ذرعه القئ، وهو صائم فليس عليه القضاء وإن استقاء فعليه القضاء وروي موقوفا عن ابن عمر. فمن لم يصح عنده الأثران كلاهما، قال: ليس فيه فطر أصلا، ومن أخذ بظاهر حديث ثوبان، ورجحه على حديث أبي هريرة، أوجب الفطر من القئ بإطلاق، ولم يفرق بين أن يستقئ، أو لا يستقئ، ومن جمع بين الحديثين، وقال حديث ثوبان مجمل، وحديث أبي هريرة مفسر، والواجب حمل المجمل على المفسر، فرق بين القئ، والاستقاء، وهو الذي عليه الجمهور.
الركن الثالث: وهو النية والنظر في النية في مواضع: منها هل هي شرط في صحة هذه العبادة أم ليست بشرط؟ وإن كانت شرطا، فما الذي يجزي من تعيينها؟ وهل يجب تجديدها في كل يوم من أيام رمضان، أم يكفي في ذلك النية الواقعة في اليوم الأول؟ وإذا أوقعها المكلف، فأي وقت إذا وقعت فيه صح الصوم؟ وإذا لم تقع فيه بطل الصوم؟ وهل رفض النية يوجب الفطر، وإن لم يفطر؟ وكل هذه المطالب قد اختلف العلماء فيها. أما كون النية شرطا في صحة الصيام، فإنه قول الجمهور وشذ زفر، فقال: لا يحتاج رمضان إلى نية، ألا أن يكون الذي يدركه صيام شهر رمضان مريضا، أو مسافرا، فيريد الصوم. والسبب في اختلافهم:
الاحتمال المتطرق إلى الصوم هل هو عبادة معقولة المعنى، أو غير معقولة المعنى؟ فمن رأى أنها غير معقولة المعنى، أوجب النية، ومن رأى أنها معقولة المعنى قال: قد حصل المعنى، إذا صام، وإن لم ينو، لكن تخصيص زفر رمضان بذلك من بين أنواع الصوم فيه ضعف، وكأنه لما رأى أن أيام رمضان لا يجوز فيها الفطر، رأى أن كل صوم يقع فيها ينقلب صوما شرعيا وأن هذا شئ يخص هذه الأيام. وأما اختلافهم في تعيين النية المجزية في ذلك: فإن مالكا قال: لا بد في ذلك من تعيين صوم رمضان ولا يكفيه اعتقاد الصوم مطلقا، ولا اعتقاد صوم معين غير صوم رمضان وقال أبو حنيفة: إن اعتقد