ليس يدل كونه فيه خمسة عشر صاعا على الواجب من ذلك لكل مسكين إلا دلالة ضعيفة، وإنما يدل على أن بدل الصيام في هذه الكفارة، هو هذا القدر.
وأما المسألة السادسة: وهي تكرر الكفارة بتكرر الافطار، فإنهم أجمعوا على أن من وطئ في يوم رمضان، ثم كفر، ثم وطئ في يوم آخر أن عليه كفارة أخرى. وأجمعوا على أنه من وطئ مرارا في يوم واحد أنه ليس عليه إلا كفارة واحدة واختلفوا فيمن وطئ في يوم من رمضان، ولم يكفر حتى وطئ في يوم ثان، فقال مالك، والشافعي، وجماعة: عليه لكل يوم كفارة وقال أبو حنيفة، وأصحابه: عليه كفارة واحدة ما لم يكفر عن الجماع الأول. والسبب في اختلافهم: تشبيه الكفارات بالحدود، فمن شبهها بالحدود قال: كفارة واحدة تجزئ في ذلك عن أفعال كثيرة، كما يلزم الزاني جلد واحد، وإن زنى ألف مرة، إذا لم يحد لواحد منها، ومن لم يشبهها بالحدود، جعل لكل واحد من الأيام حكما منفردا بنفسه في هتك الصوم فيه، أوجب في كل يوم كفارة. قالوا: والفرق بينهما أن الكفارة فيها نوع من القربة، والحدود زجر محض.
وأما المسألة السابعة: وهي هل يجب عليه الاطعام إذا أيسر، وكان معسرا في وقت الوجوب؟ فإن الأوزاعي قال: لا شئ عليه إن كان معسرا وأما الشافعي، فتردد في ذلك.
والسبب في اختلافهم في ذلك: أنه حكم المسكوت عنه، فيحتمل أن يشبه بالديون، فيعود الوجوب عليه في وقت الاثراء ويحتمل أن يقال: لو كان ذلك واجبا عليه، لبينه له عليه الصلاة والسلام. فهذه أحكام من أفطر متعمدا في رمضان مما أجمع على أنه مفطر. وأما من أفطر مما هو مختلف فيه، فإن بعض من أوجب فيه، أوجب فيه القضاء، والكفارة، وبعضهم أوجب فيه القضاء فقط مثل من رأى الفطر من الحجامة، ومن الاستقاء، ومن بلع الحصاة، ومثل المسافر يفطر أول يوم يخرج عند من يرى أنه ليس له أن يفطر في ذلك اليوم، فإن مالكا أوجب فيه القضاء، والكفارة، وخالفه في ذلك سائر فقهاء الأمصار، وجمهور أصحابه. وأما من أوجب القضاء، والكفارة على من استقاء، فأبو ثور، والأوزاعي وسائر من يرى أن الاستقاء مفطر، لا يوجبون إلا القضاء فقط والذي أوجب القضاء، والكفارة في الاحتجام من القائلين بأن الحجامة تفطر، هو عطاء وحده. وسبب هذا الخلاف: أن المفطر بشئ فيه اختلاف فيه شبه من غير المفطر، ومن المفطر، فمن غلب أحد الشبهين، أوجب له ذلك الحكم، وهذان الشبهان الموجودان فيه، هما اللذان أوجبا فيه الخلاف، أعني هل هو مفطر، أو غير مفطر؟ ولكون الافطار شبهة لا يوجب الكفارة عند الجمهور، وإنما يوجب القضاء فقط. نزع أبو حنيفة إلى أنه من أفطر متعمدا الفطر، ثم طرأ عليه في ذلك اليوم سبب مبيح للفطر أنه لا كفارة عليه كالمرأة تفطر عمدا، ثم تحيض باقي النهار، والصحيح يفطر عمدا، ثم يمرض، والحاضر يفطر، ثم يسافر، فمن اعتبر الامر في نفسه، أعني أنه مفطر في يوم جاز