والمزدلفة، وهو مذهب سالم بن عبد الله: أعني جواز هذا القياس، لكن القياس في العبادات يضعف. فهذه هي أسباب الخلاف الواقع في جواز الجمع.
وأما المسألة الثانية: وهي صورة الجمع، فاختلف فيه أيضا القائلون بالجمع أعني في السفر. فمنهم من رأى أن الاختيار أن تؤخر الصلاة الأولى وتصلى مع الثانية، وإن جمعتا معا في أول وقت الأولى جاز، وهي إحدى الروايتين عن مالك، ومنهم من سوى بين الامرين: أعني أن يقدم الآخرة إلى وقت الأولى، أو يعكس الامر، وهو مذهب الشافعي وهي رواية أهل المدينة عن مالك، والأولى رواية ابن القاسم عنه، وإنما كان الاختيار عند مالك هذا النوع من الجمع، لأنه الثابت من حديث أنس، ومن سوى بينهما فمصيرا إلى أنه لا يرجح بالعدالة: أعني أنه لا تفضل عدالة عدالة في وجوب العمل بها، ومعنى هذا أنه إذا صح حديث معاذ، وجب العمل به كما وجب بحديث أنس إذ كان رواة الحديثين عدولا، وإن كان رواة أحد الحديثين أعدل.
وأما المسألة الثالثة: وهي الأسباب المبيحة للجمع، فاتفق القائلون بجواز الجمع على أن السفر منها، واختلفوا في الجمع في الحضر، وفي شروط السفر المبيح له، وذلك أن السفر منهم من جعله سببا مبيحا للجمع أي سفر كان، وبأي صفة كان ومنهم من اشترط فيه ضربا من السير ونوعا من أنواع السفر. فأما الذي اشترط فيه ضربا من السير، فهو مالك في رواية ابن القاسم عنه، وذلك أنه قال: لا يجمع المسافر إلا أن يجد به السير ومنهم من لم يشترط ذلك، وهو الشافعي وهي إحدى الروايتين عن مالك. ومن ذهب هذا المذهب، فإنما راعى قول ابن عمر: كان رسول الله (ص) إذا عجل به السير راعى ظاهر حديث أنس وغيره. وكذلك اختلفوا كما قلنا في نوع السفر الذي يجوز فيه الجمع. فمنهم من قال: هو سفر القربة كالحج والغزو، وهو ظاهر رواية ابن القاسم. ومنهم من قال: هو السفر المباح دون سفر المعصية، وهو قول الشافعي وظاهر رواية المدنيين عن مالك. والسبب في اختلافهم في هذا: هو السبب في اختلافهم في السفر الذي تقصر فيه الصلاة، وإن كان هنالك التعميم، لان القصر نقل قولا وفعلا، والجمع إنما نقل فعلا فقط، فمن اقتصر به على نوع السفر الذي جمع فيه رسول الله (ص) لم يجزه في غيره، ومن فهم منه الرخصة للمسافر عداه إلى غيره من الاسفار. وأما الجمع في الحضر لغير عذر، فإن مالكا، وأكثر الفقهاء لا يجيزونه وأجاز ذلك جماعة من أهل الظاهر، وأشهب من أصحاب مالك. وسبب اختلافهم: اختلافهم في مفهوم حديث ابن عباس، فمنهم من تأوله على أنه كان في مطر كما قال مالك. ومنهم من أخذ بعمومه مطلقا. وقد خرج مسلم زيادة في حديثه، وهو قوله عليه الصلاة والسلام في غير خوف، ولا سفر، ولا مطر وبهذا تمسك أهل الظاهر. وأما الجمع في الحضر