فمن راعى من الوتر المعنى المعقول، وهو ضد الشفع، قال: ينقلب شفعا إذا أضيف إليه ركعة ثانية، ومن راعى منه المعنى الشرعي، قال: ليس ينقلب شفعا، لان الشفع نفل، والوتر سنة مؤكدة، أو واجبة.
الباب الثاني: في ركعتي الفجر واتفقوا على أن ركعتي الفجر سنة لمعاهدته عليه الصلاة، والسلام على فعلها أكثر منه على سائر النوافل، ولترغيبه فيها، ولأنه قضاها بعد طلوع الشمس حين نام عن الصلاة. واختلفوا من ذلك في مسائل: إحداها: في المستحب من القراءة فيهما، فعند مالك المستحب أن يقرأ فيهما بأم القرآن فقط، وقال الشافعي: لا بأس أن يقرأ فيهما بأم القرآن مع سورة قصيرة، وقال أبو حنيفة لا توقيف فيهما في القراءة يستحب، وأنه يجوز أن يقرأ فيهما المرء حزبه من الليل. والسبب في اختلافهم: اختلاف قراءته عليه الصلاة والسلام في هذه الصلاة، واختلافهم في تعيين القراءة في الصلاة، وذلك أنه روي عنه عليه الصلاة والسلام: أنه كان يخفف ركعتي الفجر على ما روته عائشة قالت: حتى أني أقول أقرأ فيهما بأم القرآن أم لا؟. فظاهر هذا أنه كان يقرأ فيهما بأم القرآن فقط. وروي عنه من طريق أبي هريرة خرجه أبو داود: أنه كان يقرأ فيهما ب * (قل هو الله أحد) *، و * (قل يا أيها الكافرون) * فمن ذهب مذهب حديث عائشة، اختار قراءة أم القرآن فقط، ومن ذهب مذهب الحديث الثاني اختار أم القرآن وسورة قصيرة، ومن كان على أصله في أنه لا تتعين القراءة في الصلاة لقوله تعالى: * (فاقرءوا ما تيسر منه) * قال يقرأ فيهما ما أحب.
والثانية: في صفة القراءة المستحبة فيهما، فذهب مالك، والشافعي، وأكثر العلماء إلى أن المستحب فيهما هو الاسرار وذهب قوم إلى أن المستحب فيهما هو الجهر وخير قوم في ذلك بين الاسرار والجهر. والسبب في ذلك: تعارض مفهوم الآثار، وذلك أن حديث عائشة المتقدم المفهوم من ظاهره: أنه عليه الصلاة والسلام كان يقرأ فيهما سرا ولولا ذلك لم تشك عائشة هل قرأ فيهما بأم القرآن، أم لا؟ وظاهر ما روى أبو هريرة: أنه كان يقرأ فيهما ب * (قل يا أيها الكافرون) *، و * (قل هو الله أحد) * أن قراءته عليه الصلاة والسلام فيهما كانت جهرا، ولولا ذلك ما علم أبو هريرة ما كان يقرأ فيهما. فمن ذهب مذهب الترجيح بين هذين الأثرين، قال: إما باختيار الجهر إن رجح حديث أبي هريرة، وإما باختيار الاسرار إن رجح حديث عائشة، ومن ذهب مذهب ي الفجر، وأدرك الامام في الصلاة، أو دخل المسجد ليصليهما،