بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الاعتكاف والاعتكاف مندوب إليه بالشرع، واجب بالنذر، ولا خلاف في ذلك، إلا ما روي عن مالك أنه كره الدخول فيه مخافة أن لا يوفي شرطه، وهو في رمضان أكثر منه في غيره، وبخاصة في العشر الأواخر منه، إذ كان ذلك، هو آخر اعتكافه (ص). وهو بالجملة يشتمل على عمل مخصوص في موضع مخصوص، وفي زمان مخصوص بشروط مخصوصة، وتروك مخصوصة. فأما العمل الذي يخصه، ففيه قولان: قيل إنه الصلاة، وذكر الله وقراءة القرآن، لا غير ذلك من أعمال البر، والقرب، وهو مذهب ابن القاسم. وقيل: جميع أعمال القرب، والبر المختصة بالآخرة، وهو مذهب ابن وهب فعلى هذا المذهب يشهد الجنائز، ويعود المرضى، ويدرس العلم، وعلى المذهب الأول لا. وهذا هو مذهب الثوري، والأول هو مذهب الشافعي، وأبي حنيفة. وسبب اختلافهم: أن ذلك شئ مسكوت عنه، أعني أنه ليس فيه حد مشروع بالقول، فمن فهم من الاعتكاف حبس النفس على الأفعال المختصة بالمساجد قال: لا يجوز للمعتكف إلا الصلاة، والقراءة. ومن فهم منه حبس النفس على القرب الأخروية كلها، أجاز له غير ذلك مما ذكرناه. وروي عن علي رضي الله عنه أنه قال: من اعتكف لا يرفث، ولا يساب وليشهد الجمعة، والجنازة، ويوصي أهله إذا كانت له حاجة وهو قائم ولا يجلس، ذكره عبد الرزاق وروي عن عائشة خلاف هذا، وهو أن السنة للمعتكف أن لا يشهد جنازة، ولا يعود مريضا وهذا أيضا أحد ما أوجب الاختلاف فهذا المعنى. وأما المواضع التي فيها يكون الاعتكاف، فإنهم اختلفوا فيها، فقال قوم: لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة: بيت الله الحرام، وبيت المقدس، ومسجد النبي عليه الصلاة والسلام، وبه قال حذيفة وسعيد بن المسيب. وقال آخرون: الاعتكاف عام في كل مسجد، وبه قال الشافعي، وأبو حنيفة، والثوري، وهو مشهور مذهب مالك. وقال آخرون:
لا اعتكاف إلا في مسجد فيه جمعة، وهي رواية ابن عبد الحكم عن مالك. وأجمع الكل على أن من شرط الاعتكاف المسجد، إلا ما ذهب إليه ابن لبابة من أنه يصح في غير