تعمل على أيام عادتها. وهذه الأقاويل كلها المختلف فيها عند الفقهاء في أقل الحيض، وأكثره، وأقل الطهر لا مستند لها إلا التجربة والعادة، وكل إنما قال من ذلك ما ظن أن التجربة أوقفته على ذلك، ولاختلاف ذلك في النساء عسر أن يعرف بالتجربة حدود هذه الأشياء في أكثر النساء ووقع في ذلك هذا الخلاف الذي ذكرنا. وإنما أجمعوا بالجملة على أن الدم إذا تمادى أكثر من مدة الحيض أنه استحاضة لقول رسول الله (ص) الثابت لفاطمة بنت أبي حبيش: فإذا أقبلت الحيضة، فاتركي الصلاة فإذا ذهب قدرها فاغسلي عنك الدم وصلي والمتجاوزة لأمد أكثر أيام الحيض قد ذهب عنها قدرها ضرورة، وإنما صار الشافعي، ومالك رحمه الله في المعتادة في إحدى الروايتين عنه إلى أنها تبني على عادتها لحديث أم سلمة الذي رواه في الموطأ: أن امرأة كانت تهراق الدماء على عهد رسول الله (ص)، فاستفتت لها أم سلمة رسول الله (ص) فقال: لتنظر إلى عدد الليالي والأيام التي كانت تحيضهن من الشهر قبل أن يصيبها الذي أصابها، فلتترك الصلاة قدر ذلك من الشهر فإذا خلفت ذلك، فلتغتسل، ثم لتستثفر بثوب، ثم لتصلي فألحقوا حكم الحائض التي تشك في الاستحاضة بحكم المستحاضة التي تشك في الحيض، وإنما رأى أيضا في المبتدأة أن يعتبر أيام ولادتها، لان أيام ولادتها هو شئ انفرد به مالك وأصحابه رحمهم الله، وخالفهم في ذلك جميع فقهاء الأمصار ما عدا الأوزاعي، إذ لم يكن لذلك ذكر في الأحاديث الثابتة وقد روي في ذلك أثر ضعيف.
المسألة الثانية: ذهب مالك وأصحابه في الحائض التي ينقطع حيضها - وذلك بأن تحيض يوما أو يومين، وتطهر يوما، أو يومين - إلى أنها تجمع أيام الدم بعضها إلى بعض، وتلغي أيام الطهر، وتغتسل في كل يوم ترى فيه الطهر أول ما تراه وتصلي، فإنها لا تدري لعل ذلك طهر، فإذا اجتمع لها من أيام الدم خمسة عشر يوما فهي مستحاضة وبهذا القول قال الشافعي وروي عن مالك أيضا أنها تلفق أيام الدم وتعتبر بذلك أيام عادتها، فإن ساوتها استظهرت بثلاثة أيام فإن انقطع الدم، وإلا فهي مستحاضة. وجعل الأيام التي لا ترى فيها الدم غير معتبرة في العدد لا معنى له، فإنه لا تخلو تلك الأيام أن تكون أيام حيض، أو أيام طهر، فإن كانت أيام حيض، فيجب أن تلفقها إلى أيام الدم، وإن كانت أيام طهر فليس يجب أن تلفق أيام الدم إذ كان قد تخللها طهر، والذي يجئ على أصوله أنها أيام حيض لا أيام طهر، إذ أقل الطهر عنده محدود، وهو أكثر من اليوم واليومين فتدبر هذا فإنه بين إن شاء الله تعالى. والحق أن دم الحيض ودم النفاس يجري ثم ينقطع يوما أو يومين، ثم يعود حتى تنقضي أيام الحيض، أو النفاس كما تجري ساعة أو ساعتين من النهار ثم تنقطع.
المسألة الثالثة: اختلفوا في أقل النفاس وأكثره، فذهب مالك إلى أنه لا حد لأقله،