الذي في الظاهر تدل على العهد، فينبغي أن يتأمل هذا في كلام العرب، فإن وجدت العرب تفعل هذا، أعني تتجوز في موطن ما، فتدل بما على شئ معين، فليسغ هذا التأويل، وإلا فلا وجه له، فالمسألة كما ترى محتملة، وإنما كان يرتفع الاحتمال لو ثبت النسخ. وأما اختلاف من أوجب أم الكتاب في الصلاة في كل ركعة أو في بعض الصلاة، فسببه احتمال عودة الضمير الذي في قوله عليه الصلاة والسلام: لم يقرأ فيها بأم القرآن على كل أجزاء الصلاة أو على بعضها، وذلك أن من قرأ في الكل منها، أو في الجزء: أعني في ركعة، أو ركعتين لم يدخل تحت قوله عليه الصلاة والسلام: لم يقرأ فيها وهذا الاحتمال بعينه هو الذي أصار أبا حنيفة إلى أن يترك القراءة أيضا في بعض الصلاة: أعني في الركعتين الأخيرتين. واختار مالك أن يقرأ في الركعتين الأوليين من الرباعية بالحمد، وسورة، وفي الأخيرتين بالحمد فقط، فاختار الشافعي أن يقرأ في الأربع من الظهر بالحمد، وسورة، إلا أن السورة التي تقرأ في الأوليين تكون أطول فذهب مالك إلى حديث أبي قتادة الثابت: أنه عليه الصلاة والسلام كان يقرأ في الأوليين من الظهر والعصر بفاتحة الكتاب وسورة، وفي الأخريين منها بفاتحة الكتاب فقط وذهب الشافعي إلى ظاهر حديث أبي سعيد الثابت أيضا: أنه كان يقرأ في الركعتين الأوليين من الظهر قدر ثلاثين آية، وفي الأخريين قدر خمس عشرة آية. ولم يختلفوا في العصر لاتفاق الحديثين فيها، وذلك أن في حديث أبي سعيد هذا: أنه كان يقرأ في الأوليين من العصر قدر خمس عشرة آية، وفي الأخريين قدر النصف من ذلك.
المسألة السادسة: اتفق الجمهور على منع قراءة القرآن في الركوع والسجود لحديث علي في ذلك قال: نهاني جبريل (ص) أن أقرأ القرآن راكعا وساجدا. قال الطبري: وهو حديث صحيح، وبه أخذ فقهاء الأمصار. وصار قوم من التابعين إلى جواز ذلك، وهو مذهب البخاري، لأنه لم يصح الحديث عنده. والله أعلم. واختلفوا هل الركوع، والسجود قول محدود يقوله المصلي، أم لا؟ فقال مالك: ليس في ذلك قول محدود، وذهب الشافعي، وأبو حنيفة وأحمد، وجماعة غيرهم إلى أن المصلي يقول في ركوعه سبحان ربي العظيم ثلاثا. وفي السجود سبحان ربي الأعلى ثلاثا على ما جاء في حديث عقبة بن عامر، وقال الثوري: أحب إلي أن يقولها الامام خمسا في صلاته حتى يدرك الذي خلفه ثلاث تسبيحات. والسبب في هذا الاختلاف: معارضة حديث ابن عباس في هذا الباب لحديث عقبة بن عامر: وذلك أن في حديث ابن عباس أنه عليه الصلاة والسلام قال: ألا وإني نهيت أن أقرأ القرآن راكعا، أو ساجدا، فأما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فاجتهدوا فيه في الدعاء، فقمن أن يستجاب لكم وفي حديث عقبة بن عامر أنه قال: لما نزلت * (فسبح باسم ربك العظيم) * قال لنا رسول الله (ص): اجعلوها في ركوعكم، ولما