وأما المسألة السادسة: وهي هل يجوز للصائم في رمضان أن ينشئ سفرا، ثم لا يصوم فيه، فإن الجمهور على أنه يجوز ذلك له. وروي عن بعضهم، وهو عبيدة السلماني، وسويد بن غفلة وابن مجلز أنه إن سافر فيه صام، ولم يجيزوا له الفطر. والسبب في اختلافهم: اختلافهم في مفهوم قوله تعالى: * (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) * وذلك أنه يحتمل أن يفهم منه أن من شهد بعض الشهر، فالواجب عليه أن يصومه كله، ويحتمل أن يفهم منه أن من شهد أن الواجب أن يصوم ذلك البعض الذي شهده، وذلك أنه لما كان المفهوم باتفاق أن من شهده كله، فهو يصومه كله، كان من شهد بعضه، فهو يصوم بعضه ويؤيد تأويل الجمهور إنشاء رسول الله (ص) السفر في رمضان. وأما حكم المسافر إذا أفطر، فهو القضاء باتفاق، وكذلك المريض لقوله تعالى: * (فعدة من أيام أخر) * ما عدا المريض بإغماء أو جنون، فإنهم اختلفوا في وجوب القضاء عليه، وفقهاء الأمصار على وجوبه على المغمى عليه. واختلفوا في المجنون ومذهب مالك وجوب القضاء عليه وفيه ضعف لقوله عليه الصلاة والسلام... وعن المجنون حتى يفيق والذين أوجبوا عليهما القضاء اختلفوا في كون الاغماء، والجنون مفسدا للصوم، فقوم قالوا: إن مفسد، وقوم قالوا: ليس بمفسد، وقوم فرقوا بين أن يكون أغمي عليه بعد الفجر، أو قبل الفجر، وقوم قالوا: إن أغمي عليه بعد مضي أكثر النهار أجزأه وإن أغمي عليه في أول النهار قضى، وهو مذهب مالك، وهذا كله فيه ضعف فإن الاغماء، والجنون يرتفع بها التكليف وبخاصة الجنون، وإذا ارتفع التكليف لم يوصف بمفطر، ولا صائم، فكيف يقال في الصفة التي ترفع التكليف إنها مبطلة للصوم، إلا كما يقال في الميت، أو فيمن لا يصح منه العمل إنه قد بطل صومه، وعمله؟! ويتعلق بقضاء المسافر، والمريض مسائل:
منها هل يقضيان ما عليهما متتابعا، أم لا؟ ومنها ماذا عليهما، إذا أخرا القضاء بغير عذر إلى أن يدخل رمضان آخر، ومنها إذا ماتا، ولم يقضيا هل يصوم عنهما وليهما، أو لا يصوم؟
أما المسألة الأولى: فإن بعضهم أوجب أن يكون القضاء متتابعا على صفة الأداء، وبعضهم لم يوجب ذلك، وهؤلاء منهم من خير، ومنهم من استحب التتابع، والجماعة على ترك إيجاب التتابع. وسبب اختلافهم: تعارض ظواهر اللفظ والقياس، وذلك أن القياس يقتضي أن يكون الأداء على صفة القضاء أصل ذلك الصلاة والحج، أما ظاهر قوله تعالى: * (فعدة من أيام أخر) * فإنما يقتضي إيجاب العدد فقط. لا إيجاب التتابع. وروي عن عائشة أنها قالت: نزلت * (فعدة من أيام أخر) * متتابعات فسقطت متتابعات. وأما إذا أخر القضاء حتى دخل رمضان آخر، فقال قوم: يجب عليه بعد صيام رمضان الداخل القضاء، والكفارة، وبه قال مالك، والشافعي