يتناول ضاء للحديث الثابت ولم يختلفوا أن من سجد على جبهته وأنفه فقد سجد على وجهه، واختلفوا فيمن سجد على أحدهما، فقال مالك: إن سجد على جبهته دون أنفه جاز، وإن سجد على أنفه دون جبهته لم يجز، وقال أبو حنيفة: بل يجوز ذلك: وقال الشافعي: لا يجوز إلا أن يسجد عليهما جميعا. وسبب اختلافهم: هل الواجب هو امتثال بعض ما ينطلق عليه الاسم أم كله؟ وذلك أن في حديث النبي عليه الصلاة والسلام الثابت عن ابن عباس قال أمرت أن أسجد على سبعة أعضاء فذكر منها الوجه، فمن رأى أن الواجب هو بعض ما ينطلق عليه الاسم قال: إن سجد على الجبهة، أو الانف أجزأه، ومن رأى أن اسم السجود يتناول من سجد على الجبهة، ولا يتناول من سجد على الانف أجاز السجود على الجبهة دون الانف.
وهذا كأنه تحديد البعض الذي هو امتثاله هو الواجب مما ينطلق عليه الاسم، وكان هذا على مذهب من يفرق بين أبعاض الشئ، فرأى أن بعضها يقوم في امتثاله مقام الوجوب، وبعضها لا يقوم مقامه، فتأمل هذا، فإنه أصل في هذا الباب، وإلا جاز لقائل أن يقول: إنه إن مس من أنفه الأرض مثقال خردلة تم سجوده. وأما من رأى أن الواجب هو امتثال كل ما ينطلق عليه الاسم، فالواجب عنده أن يسجد على الجبهة، والأنف، والشافعي يقول: إن هذا الاحتمال الذي من قبل اللفظ قد أزاله فعله عليه الصلاة والسلام، وبينه فإنه كان يسجد على الانف، والجبهة لما جاء من: أنه انصرف من صلاة من الصلوات وعلى جبهته وأنفه أثر الطين، والماء فوجب أن يكون فعله مفسرا للحديث المجمل. قال أبو عمر بن عبد البر وقد ذكر جماعة من الحفاظ حديث ابن عباس، فذكروا فيه الانف والجبهة. قال القاضي أبو الوليد: وذكر بعضهم الجبهة فقط، وكلا الروايتين في كتاب مسلم، وذلك حجة لمالك، واختلفوا أيضا هل من شرط السجود أن تكون يد الساجد بارزة، وموضوعة على الذي يوضع عليه الوجه، أم ليس ذلك من شرطه؟ شرط السجود. أحسبه شرط تمامه. وقالت جماعة، ليس ذلك من شرط السجود. ومن هذا الباب اختلافهم في السجود على طاقات العمامة. وللناس فيه ثلاثة مذاهب: قول بالمنع وقول بالجواز وقول بالفرق بين أن يسجد على طاقات يسيرة من العمامة، أو كثيرة، وقول بالفرق بين أن يمس من جبهته الأرض شئ، أو لا يمس منها شئ، وهذا الاختلاف كله موجود في المذهب وعند فقهاء الأمصار، وفي البخاري: كانوا يسجدون على القلانس والعمائم. واحتج من لم ير إبراز اليدين في السجود بقول ابن عباس: أمر النبي ص) أن نسجد على سبعة أعضاء، ولا نكفت ثوبا، ولا شعرا وقياسا على الركبتين، وعلى الصلاة في الخفين، ويمكن أن يحتج بهذا العموم في السجود على العمامة.
المسألة الثامنة: اتفق العلماء على كراهية الاقعاء في الصلاة لما جاء في الحديث من