والإشارة وهو مذهب النعمان، وأجاز قوم الرد في نفسه، وقوم قالوا يرد إذا فرغ من الصلاة. والسبب في اختلافهم: هل رد السلام من نوع التكلم في الصلاة المنهي عنه أم لا؟ فمن رأى أنه من نوع الكلام المنهي عنه، وخصص الامر برد السلام في قوله تعالى:
* (وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها) * الآية بأحاديث النهي عن الكلام في الصلاة قال: لا يجوز الرد في الصلاة، ومن رأى أنه ليس داخلا في الكلام المنهي عنه، أو خصص أحاديث النهي بالأمر برد السلام أجازه في الصلاة. قال أبو بكر بن المنذر: ومن قال: لا يرد ولا يشير، فقد خالف السنة فإنه قد أخبر خبيب: أن النبي عليه الصلاة والسلام رد على الذين سلموا عليه وهو في الصلاة بإشارة.
الباب الثاني: في القضاء والكلام في هذا الباب على من يجب القضاء، وفي صفة أنواع القضاء، وفي شروطه.
فأما على من يجب القضاء، فاتفق المسلمون على أنه يجب على الناسي والنائم، واختلفوا في العامد، والمغمى عليه. وإنما اتفق المسلمون على وجوب القضاء على الناسي والنائم لثبوت قوله عليه الصلاة والسلام وفعله: وأعني بقوله عليه الصلاة والسلام رفع القلم عن ثلاث فذكر النائم، وقوله: إذا نام أحدكم عن الصلاة، أو نسيها، فليصلها إذا ذكرها وما روي: أنه نام عن الصلاة حتى خرج وقتها فقضاها. وأما تاركها عمدا حتى يخرج الوقت، فإن الجمهور على أنه آثم وأن القضاء عليه واجب وذهب بعض أهل الظاهر إلى أنه لا يقضي وأنه آثم، وأحد من ذهب إلى ذلك أبو محمد بن حزم. وسبب اختلافهم:
اختلافهم في شيئين: أحدهما: في جواز القياس في الشرع. والثاني: في قياس العامد على الناسي إذا سلم جواز القياس، فمن رأى أنه إذا وجب القضاء على الناسي الذي قد عذره الشرع في أشياء كثيرة فالمتعمد أحرى أن يجب عليه، لأنه غير معذور، أوجب القضاء عليه، ومن رأى أن الناسي والعامد ضدان، والأضداد لا يقاس بعضها على بعض، إذ أحكامها مختلفة، وإنما تقاس الأشباه، لم يجز قيا س العامد على الناسي. والحق في هذا أنه إذا جعل الوجوب من باب التغليظ كان القياس سائغا. وأما إن جعل من باب الرفق بالناسي والعذر له، وأن لا يفوته ذلك الخير، فالعامد في هذا ضد الناسي، والقياس غير سائغ لان الناسي معذور، والعامد غير معذور. والأصل أن القضاء لا يجب بأمر الأداء، وإنما يجب بأمر محدد على ما قال المتكلمون، لان القاضي قد فاته، وهو الوقت إذ كان شرطا من شروط الصحة، والتأخير عن الوقت في قياس التقديم عليه، لكن قد ورد الأثر بالناسي والنائم، وتردد العامد بين أن يكون شبيها، أو غير