فاتفق المسلمون على أن الطهارة شرط من شروط الصلاة لمكان هذا، وإن كانوا اختلفوا هل هي شرط من شروط الصحة، أو من شروط الوجوب ولم يختلفوا أن ذلك شرط في جميع الصلوات إلا في صلاة الجنازة وفي السجود، أعني سجود التلاوة، فإن فيه خلافا شاذا. والسبب في ذلك: الاحتمال العارض في انطلاق اسم الصلاة على الصلاة على الجنائز، وعلى السجود، فمن ذهب إلى أن اسم الصلاة ينطلق على صلاة الجنائز، وعلى السجود نفسه، وهم الجمهور اشترط هذه الطهارة فيهما ومن ذهب إلى أنه لا ينطلق عليهما إذ كانت صلاة الجنائز ليس فيها ركوع. ولا سجود وكان السجود أيضا ليس فيه قيام. ولا ركوع لم يشترط هذه الطهارة فيهما. ويتعلق بهذا الباب مع هذه المسألة أربع مسائل:
المسألة الأولى: هل هذه الطهارة شرط في مس المصحف أم لا؟ فذهب مالك وأبو حنيفة والشافعي إلى أنها شرط في مس المصحف وذهب أهل الظاهر إلى أنها ليست بشرط في ذلك. والسبب في اختلافهم: تردد مفهوم قوله تعالى: * (لا يمسه إلا المطهرون) * بين أن يكون المطهرون هم بني آدم، وبين أن يكونوا هم الملائكة، وبين أن يكون هذا الخبر مفهومه النهي، وبين أن يكون خبرا لا نهيا، فمن فهم من * (المطهرون) * بني آدم، وفهم من الخبر النهي قال: لا يجوز أن يمس المصحف إلا طاهر ومن فهم منه الخبر فقط، وفهم من لفظ * (المطهرون) * الملائكة قال: إنه ليس في الآية دليل على اشتراط هذه الطهارة في مس المصحف وإذا لم يكن هنالك دليل لا من كتاب، ولا من سنة ثابتة بقي الامر على البراءة الأصلية، وهي الإباحة. احتج الجمهور لمذهبهم بحديث عمرو بن حزم: أن النبي عليه الصلاة والسلام كتب: لا يمس القرآن إلا طاهر وأحاديث عمرو بن حزم اختلف الناس في وجوب العمل بها، لأنها مصحفة، ورأيت ابن المفوز يصححها إذا روتها الثقات، لأنها كتاب النبي عليه الصلاة والسلام، وكذلك أحاديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وأهل الظاهر يردونها. ورخص مالك للصبيان في مس المصحف على غير طهر، لأنهم غير مكلفين.
المسألة الثانية: اختلف الناس في إيجاب الوضوء على الجنب في أحوال: أحدها:
إذا أراد أن ينام وهو جنب، فذهب الجمهور إلى استحبابه دون وجوبه وذهب أهل الظاهر إلى وجوبه لثبوت ذلك عن النبي (ص) من حديث عمر أنه ذكر لرسول الله (ص) أنه تصيبه جنابة من الليل، فقال له رسول الله (ص): توضأ واغسل ذكرك، ثم نم وهو أيضا مروي عنه من طريق عائشة. وذهب الجمهور إلى حمل الامر بذلك على الندب والعدول به عن ظاهره