كتاب الأطعمة والأشربة والكلام في أصول هذا الكتاب يتعلق بجملتين: الجملة الأولى: نذكر فيها المحرمات في حال الاختيار. الجملة الثانية: نذكر فيها أحوالها في حال الاضطرار.
الجملة الأولى والأغذية الانسانية: نبات وحيوان. فأما الحيوان الذي يغتذى به، فمنه حلال في الشرع، ومنه حرام، وهذا منه بري ومنه بحري. والمحرمة منها ما تكون محرمة لعينها، ومنها ما تكون لسبب وارد عليها. وكل هذه منها ما اتفقوا عليه، ومنها ما اختلفوا فيه. فأما المحرمة لسبب وارد عليها فهي بالجملة تسعة: الميتة، والمنخنقة، والموقوذة، والمتردية، والنطيحة، وما أكل السبع، وكل ما نقصه شرط من شروط التذكية من الحيوان الذي التذكية شرط في أكله، والجلالة، والطعام الحلال يخالطه نجس. فأما الميتة فاتفق العلماء على تحريم ميتة البر، واختلفوا في ميتة البحر على ثلاث أقوال: فقال قوم:
هي حلال بإطلاق، وقال قوم: هي حرام بإطلاق، وقال قوم: ما طفا من السمك حرام، وما جزر عنه البحر فهو حلال. وسبب اختلافهم: تعارض الآثار في هذا الباب، ومعارضة عموم الكتاب لبعضها معارضة كلية وموافقته لبعضها موافقة جزئية، ومعارضة بعضها لبعض معارضة جزئية. فأما العموم فهو قوله تعالى: * (حرمت عليكم الميتة) *. وأما الآثار المعارضة لهذا العموم معارضة كلية فحديثان الواحد متفق عليه، والآخر مختلف فيه. أما المتفق عليه فحديث جابر، وفيه أن أصحاب رسول الله (ص) وجدوا حوتا يسمى العنبر، أو دابة قد جزر عنه البحر فأكلوا منه بضعة وعشرين يوما أو شهرا، ثم قدموا على رسول الله (ص) فأخبروه فقال: هل معكم من لحمه شئ؟ فأرسلوا منه إلى رسول الله (ص) فأكله وهذا إنما يعارض الكتاب معارضة كلية بمفهومه لا بلفظه. وأما الحديث الثاني المختلف فيه، فما رواه مالك عن أبي هريرة أنه سئل عن ماء البحر فقال: هو الطهور ماؤه الحل ميتته. وأما الحديث الموافق للعموم موافقة جزئية فما روى إسماعيل بن أمية عن أبي الزبير عن جابر عن النبي عليه الصلاة والسلام قال: ما ألقى البحر أو جزر عنه فكلوه، وما طفا فلا تأكلوه وهو حديث أضعف عندهم من حديث