الجنازة، أم لا؟ أما العمل فهو الذي حكاه مالك عن بلده. وأما الأثر فما رواه البخاري عن طلحة بن عبد الله ابن عوف، قال: صليت خلف ابن عباس على جنازة، فقرأ بفاتحة الكتاب، فقال: لتعلموا أنها السنة. فمن ذهب إلى ترجيح هذا الأثر على العمل وكان اسم الصلاة يتناول عنده صلاة الجنازة، وقد قال (ص): لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب رأى قراءة فاتحة الكتاب فيها. ويمكن أن يحتج لمذهب مالك بظواهر الآثار التي نقل فيها دعاؤه عليه الصلاة والسلام في الصلاة على الجنائز، ولم ينقل فيها أنه قرأ. وعلى هذا، فتكون تلك الآثار كأنها معارضة لحديث ابن عباس، ومخصصة لقوله. لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب وذكر الطحاوي عن ابن شهاب عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف قال - وكان من كبراء الصحابة وعلمائهم، وأبناء الذين شهدوا بدرا -: إن رجلا من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام أخبره أن السنة في الصلاة على الجنائز أن يكبر الامام، ثم يقرأ فاتحة الكتاب سرا في نفسه، ثم يخلص الدعاء في التكبيرات الثلاث، قال ابن شهاب: فذكرت الذي أخبر به أبو أمامة من ذلك لمحمد بن سويد الفهري، فقال: وأنا سمعت الضحاك بن قيس يحدث عن حبيب بن مسلمة في الصلاة على الجنائز بمثل ما حدثك به أبو أمامة.
المسألة الثالثة: واختلفوا في التسليم من الجنازة هل هو واحد، أو اثنان؟ فالجمهور على أنه واحد وقالت طائفة، وأبو حنيفة: يسلم تسليمتين، واختاره المزني من أصحاب الشافعي، وهو أحد قولي الشافعي. وسبب اختلافهم: اختلافهم في التسليم من الصلاة، وقياس صلاة الجنائز على الصلاة المفروضة، فمن كانت عنده التسليمة واحدة في الصلاة المكتوبة، وقاس صلاة الجنازة عليها، قال: بواحدة، ومن كانت عنده تسليمتين في الصلاة المفروضة قال هناك بتسليمتين، إن كانت عنده تلك سنة، فهذه سنة، وإن كانت فرضا، فهذه فرض، وكذلك اختلف المذهب هل يجهر فيها، أو لا يجهر بالسلام؟
المسألة الرابعة: واختلفوا أين يقوم الامام من الجنازة، فقال جملة من العلماء: يقوم في وسطها، ذكرا كان أو أنثى وقال قوم آخرون: يقوم من الأنثى وسطها، ومن الذكر عند رأسه ومنهم من قال: يقوم من الذكر والأنثى عند صدرهما، وهو قول ابن القاسم وقول أبي حنيفة وليس عند مالك، والشافعي في ذلك حد وقال قوم: يقوم منهما أين شاء.
والسبب في اختلافهم: اختلاف الآثار في هذا الباب، وذلك أنه خرج البخاري، ومسلم من حديث سمرة بن جندب قال: صليت خلف رسول الله (ص) على أم كعب ماتت، وهي نفساء، فقام رسول الله (ص) للصلاة على وسطها وخرج أبو داود من حديث همام بن غالب قال: صليت مع أنس بن مالك على جنازة رجل، فقام حيال رأسه ثم جاءوا بجنازة امرأة، فقالوا: يا أبا حمزة صل عليها، فقام حيال وسط السرير، فقال العلاء بن زياد: هكذا رأيت رسول الله (ص) يصلي على الجنائز، كبر أربعا، وقام على جنازة المرأة مقامك منها،