كتاب الزكاة والكلام المحيط بهذه العبادة بعد معرفة وجوبها ينحصر في خمس جمل: الجملة الأولى: في معرفة من تجب عليه. الثانية: في معرفة ما تجب فيه من الأموال. الثالثة: في معرفة كم تجب، ومن كم تجب. الرابعة: في معرفة متى تجب، ومتى ولا تجب. الخامسة:
معرفة لمن تجب، وكم يجب له.
فأما معرفة وجوبها فمعلوم من الكتاب والسنة، والاجماع، ولا خلاف في ذلك.
الجملة الأولى وأما على من تجب، فإنهم اتفقوا على كل مسلم حر بالغ عاقل مالك للنصاب ملكا تاما. واختلفوا فوجوبها على اليتيم، والمجنون، والعبيد، وأهل الذمة، والناقص الملك، مثل الذي عليه دين، أو له دين، ومثال المال المحبس الأصل. فأما الصغار، فإن قوما قالوا: تجب الزكاة في أموالهم، وبه قال علي وابن عمر، وجابر، وعائشة من الصحابة، ومالك، والشافعي، والثوري، وأحمد، وإسحق، وأبو ثور، وغيرهم من فقهاء الأمصار. وقال قوم: ليس في مال اليتيم صدقة أصلا، وبه قال النخعي، والحسن وسعيد بن جبير من التابعين. وفرق قوم بين ما تخرج الأرض، وبين ما لا تخرجه فقالوا: عليه الزكاة فيما تخرجه الأرض، وليس عليه زكاة فيما عدا ذلك من الماشية، والناض، والعروض وغير ذلك، وهو أبو حنيفة، وأصحابه وفرق آخرون بين الناض، وغيره، فقالوا: عليه الزكاة إلا في الناض. وسبب اختلافهم في إيجاب الزكاة، أو لا إيجابها: هو اختلافهم في مفهوم الزكاة الشرعية. هل هي عبادة، كالصلاة والصيام؟ أم هي حق واجب للفقراء على الأغنياء؟ فمن قال: إنها عبادة، اشترط فيها البلوغ، ومن قال: إنها حق واجب للفقراء والمساكين في أموال الأغنياء، لم يعتبر ذلك بلوغا من غيره. وأما من فرق بين ما تخرجه الأرض، أو لا تخرجه: وبين الخفي، والظاهر، فلا أعلم له مستندا في هذا الوقت،